آخَرَ، حَتَّى رَأَوْا مَسَالِحَهُمْ وَسَرْحَهُمْ عَلَى الطفُوفِ قَدْ مَلَئُوهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: ارْجِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ فَإِنَّهُ سَرَّحَكُمْ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْقَوْمَ بِالنَّجَفِ، فاخبروه الخبر، وقال بعضهم: ارجعوا لا يُنْذِرَ بِكُمْ عَدُوَّكُمْ! فَقَالَ عَمْرٌو لأَصْحَابِهِ: صَدَقْتُمْ، وَقَالَ طُلَيْحَةُ لأَصْحَابِهِ: كَذَبْتُمْ، مَا بُعِثْتُمْ لِتُخْبِرُوا عَنِ السَّرْحِ، وَمَا بُعِثْتُمْ إِلا لِلْخَبَرِ قَالُوا: فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أُخَاطِرَ الْقَوْمَ أَوْ أَهْلَكَ، فَقَالُوا: أَنْتَ رَجُلٌ فِي نَفْسِكَ غدر، ولن تفلح بعد قتل عكاشة ابن مِحْصَنٍ، فَارْجِعْ بِنَا، فَأَبَى وَأَتَى سَعْدًا الْخَبَرُ بِرَحِيلِهِمْ، فَبَعَثَ قَيْسَ بْنَ هُبَيْرَةَ الأَسَدِيَّ، وَأَمَّرَهُ عَلَى مِائَةٍ، وَعَلَيْهِمْ إِنْ هُوَ لَقِيَهُمْ فَانْتَهَى إِلَيْهِمْ وَقَدِ افْتَرَقُوا، فَلَمَّا رَآهُ عَمْرٌو قَالَ: تجلدوا له، اروه أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْغَارَةَ، فَرَدَّهُمْ، وَوَجَدَ طُلَيْحَةَ قَدْ فَارَقَهُمْ فَرَجَعَ بِهِمْ فَأَتَوْا سَعْدًا، فَأَخْبَرُوهُ بِقُرْبِ الْقَوْمِ، وَمَضَى طُلَيْحَةُ، وَعَارَضَ الْمِيَاهَ عَلَى الطّفُوفِ، حَتَّى دَخَلَ عَسْكَرَ رُسْتُمَ، وَبَاتَ فِيهِ يَجُوسُهُ وَيَنْظُرُ وَيَتَوَسَّمُ، فَلَمَّا أَدْبَرَ اللَّيْلُ، خَرَجَ وَقَدْ أَتَى أَفْضَلَ مَنْ تَوَسَّمَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَإِذَا فَرَسٌ لَهُ لَمْ يَرَ فِي خَيْلِ الْقَوْمِ مِثْلَهُ، وَفُسْطَاطٌ أَبْيَضُ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، فَانْتَضَى سَيْفَهُ، فَقَطَعَ مِقْوَدَ الْفَرَسِ، ثُمَّ ضَمَّهُ إِلَى مِقْوَدِ فَرَسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ فَرَسَهُ، فَخَرَجَ يَعْدُو بِهِ، وَنَذَرَ بِهِ النَّاسَ وَالرَّجُلَ، فَتَنَادَوْا وَرَكِبُوا الصَّعْبَةَ وَالذَّلُولَ، وَعجل بعضهم أن يسرج، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَحِقَهُ فَارِسٌ مِنَ الْجُنْدِ، فَلَمَّا غَشِيَهُ وَبَوَّأَ لَهُ الرُّمْحَ لِيَطْعَنَهُ عَدَلَ طُلَيْحَةُ فَرَسَهُ، فَنَدَرَ الْفَارِسِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَكَرَّ عَلَيْهِ طُلَيْحَةُ، فَقَصَمَ ظَهْرَهُ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ آخَرُ، فَفَعَلَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ آخَرُ، وَقَدْ رَأَى مَصْرَعَ صَاحِبَيْهِ- وَهُمَا ابْنَا عَمِّهِ- فَازْدَادَ حَنَقًا، فَلَمَّا لَحِقَ بِطُلَيْحَةَ، وَبَوَّأَ لَهُ الرُّمْحَ، عَدَلَ طُلَيْحَةُ فَرَسَهُ، فَنَدَرَ الْفَارِسِيُّ أَمَامَهُ، وَكَرَّ عَلَيْهِ طُلَيْحَةُ، وَدَعَاهُ إِلَى الإِسَارِ، فَعَرَفَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ قَاتِلُهُ فَاسْتَأْسَرَ، وَأَمَرَهُ طُلَيْحَةُ أَنْ يَرْكُضَ بَيْنَ يديه، ففعل ولحق النَّاسُ فَرَأَوْا فَارِسِيَّ الْجُنْدِ قَدْ قُتِلا وَقَدْ أُسِر الثَّالِثُ، وَقَدْ شَارَفَ طُلَيْحَةُ عَسْكَرَهُمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute