للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولهم: ذي الوجهين، المراد بالوجهين فيه: كونه يقع موافقا لإذن الشرع، ويقع مخالفا له.

يحترز بذلك عما لا يقع إلا موافقا، كالاستغفار والتسبيح، ونحو ذلك.

كما لا يوصف ما لا يقع إلا مخالفا لإذن الشرع، بالفساد، فلا يقال ربا فاسد، ولا زنى فاسد، ولا سرقة فاسدة، ولا غصب فاسد.

وذلك أن الأصل أن لا يوصف الشيء بالأمر، إلا إذا كان يفارقه، وحينئذ فهذا القيد لا داعي له.

كما أن عبارة موافقة الأمر لا تستعمل إلا مع تأتي مخالفته.

وقد وقع في التنقيح تعريف الصحة بتعريف الصحيح بإسقاط القيد المذكور، فقال في تعريف الصحة: ما وافق الأمر.

وإذا وقعت العبادة موافقة للإذن، كانت صحيحة عند المتكلمين، وإن لم يسقط بذلك قضاؤها، كما لو صلاها ظانا أنه على طهارة، وتبين أنه ليس على طهارة في نفس الأمر، خلافا للفقهاء، وبعض المتكلمين، حيث اشترطوا في تسميتها صحيحة أن تقع على وجه يسقط به قضاؤها، بمعنى أنه إذا تبين تخلف بعض ما يشترط في صحتها مما لا يعذر فيه بسهو، كانت باطلة، غير مخرجة من عهدة الخطاب، وإلى هذا أشار بقوله:

وفي العبادة لدى الجمهور … أن يسقط القضا مدى الدهور

ومبنى الخلاف: الخلاف في القضاء هل هو بأمر جديد، أو بالأمر الأول؟

فعلى أنه بأمر جديد، فالصلاة الواقعة على وجه ظاهره الصحة، صحيحة، لموافقتها للإذن في ظاهر الأمر، وهو المأمور بمراعاته، كما تقدم في مسألة اشتراط العلم والوسع. وعلى أنه بالأمر الأول، فهي غير صحيحة، ولا مخرجة من عهدة الخطاب، وإلى هذا أشار بقوله:

يبنى على القضاء بالجديد … أو أول الأمر لدى المجيد

فصحتها عند المتكلمين، بالنظر إلى الخروج بها من عهدة الخطاب الأول، بدليل أنه لو لم يظهر على منافي الصحة، لم يكن عاصيا للأمر، بل ممتثل مأجور، موافق للإذن، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>