للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي الحديث مسألة شهيرة خلافية وهي: الصحة أو الإثابة، ويؤيدنا: أن إزالة النجاسة عن الثوب مثلًا لا تحتاج إِلى النية في الطهارة، وله نظائر تُنْظَر من "القسطلاني" (١)، فكذا الحدث لا يحتاج إلى إزالته إلى النية عندنا بخلاف غيرنا كما هي مبسوطة في كتب الفقه.

وكتب الشيخ في "البذل" (٢): لفظ "إنما" للحصر، فالتقدير: إنما الأعمال تعتبر إذا كانت بنية، ولا تعتبر إذا كانت بلا نية، ولا يمكن ها هنا نفس الأعمال لثبوتها حِسًّا وصورةً من غير اقتران النية بها، فلا بد من إضمار شيء يتوجه إليه النفي، ويتعلق به الجار، فقيل: التقدير: صحيحة أو تصح، كما هو رأي الشافعي وأتباعه، وقيل: كاملة أو تكمل، على رأي أبي حنيفة وأصحابه.

والأظهر أن المقدَّر: معتبرة أو تعتبر، ليشمل الأعمال كلَّها، سواء كانت عباداتٍ مستقلاتٍ كالصلاة والزكاة، فإن النية تعتبر لصحَّتها إجماعًا، أو شروطًا في الطاعات كالطهارة وستر العورة، فإنها تعتبر لحصول ثوابها اتفاقًا لعدم توقف الشروط على النية في الصحة، خلافًا للشافعي في الطهارة، فعليه بيان الفرق، أو أمورًا مباحة، فإنها قد تنقلب بالنيات حسناتٍ، كما أنها قد تنقلب سيئات بلا خلاف، غاية ما في الباب أن متعلق الصحَّة والكمال يعرف من الخارج ولا محظور فيه.

قال القاري (٣): واستثني بعضُ الأعمال من هذا العموم كصريح الطلاق والعتاق؛ لأن تعيين الشارع هذه الألفاظَ لأجل هذه المعاني بمنزلة النية، ولا يخفى أن هذه إنما هو بالنسبة إلى الصحة والجواز، وأما بالنسبة إلى الثواب فلا بد من تصحيح النية، انتهى.


(١) انظر: "إرشاد الساري" (١/ ٩١).
(٢) "بذل المجهود" (٨/ ١٩٩).
(٣) "مرقاة المفاتيح" (١/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>