للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن بطال: معنى هذه الآية أن الله تعالى أوحى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - كما أوحى إلى سائر الأنبياء وحي رسالة لا وحي إلهام؛ لأن الوحي ينقسم إلى وجوه، انتهى.

({إِلَى نُوحٍ. . .} إلخ)، التشبيه بنوح لا يخرج غيره، كما أن تشبيه الأسود بالغراب لا يخرج تشبيهه بالفحم وغيره، أو التشبيه بأُولي العزم من الرسل، فإن ما قبل نوحٍ كانوا أنبياءَ، واختلف في كونهم رُسُلًا، أو التشبيه بكونه رسولًا إلى الكفار، فإِن الكفر قبل نوح لم يَشعْ كشيوعه في زمان نوح، كذا في "اللامع" (١)، أو لأنه أول رسول آذاه قومُه كما وقع مثلُه لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، كذا في "القسطلاني" (٢)، أو لأنه أول الآباء بعد الطوفان، ذكره العيني (٣).

أو لأن الوحي إلى نوح ومن بعده كان في الأحكام الشرعية، وقبله كان في الأحكام المدنية، والوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - كان من قبيل الأول دون الثاني، فإنهم قالوا: إن العالم كله بمنزلة شخص كان إلى زمن نوح زمان الطفولية، ولذا كان الوحي من قبيل الزراعة والصناعة، وكان زمن نوح ومن بعده زمان الشباب والتكليف، وزمان إبراهيم ومن بعده زمان الكهولية، ولذا خلق في هذا الزمان الفلاسفة واليونانيون، كذا أفاده شيخ الإسلام مولانا حسين أحمد المدني نوَّر الله مرقده في "تقريره"، وقد سبق إليه شيخ الهند في "تراجمه" مختصرًا.

وفي "الفيض" (٤): خص نوحًا - عليه السلام - بذكر دون آدم؛ لأن الوحي قبله كان في الأمور التكوينية، ولم يكن فيه كثير من أحكام الحلال والحرام، كما ذكره الشاه ولي الله في رسالته "تأويل الحديث". وذكر الشاه عبد العزيز - رحمه الله -: أنه لما هبط آدم - عليه السلام - من الجنة أعطي بذورًا للزرع، وأكثر


(١) "لامع الدراري" (١/ ٤٩١).
(٢) "إرشاد الساري" (١/ ٨٣).
(٣) "عمدة القاري" (١/ ٤٠).
(٤) "فيض الباري" (١/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>