للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رواه البخاري تعليقًا، ومسلم مسندًا من وجه آخر (١) بنحو ما تقدم.

وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهَون أن يحدَّ الرجل بَصَره (٢) إلى الأمرد. وقد شَدَّد كثير من أئمة الصوفية في ذلك، وحَرَّمه طائفة من أهل العلم، لما فيه من الافتتان، وشَدّد آخرون في ذلك كثيرًا جدًا.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو سعيد المدني (٣)، حدثنا عمر بن سهل المازني، حدثني عمر بن محمد بن صُهْبَان، حدثني صفوان بن سليم، عن أبي هريرة، ، قال: قال رسول الله : "كل عين باكية (٤) يوم القيامة، إلا عينًا غَضّت عن محارم الله، وعينًا سهِرت في سبيل الله، وعينًا يخرج منها مثل رأس الذباب، من خشية الله، ﷿" (٥).

﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١)

هذا (٦) أمْرٌ من الله تعالى للنساء المؤمنات، وغَيْرَة (٧) منه لأزواجهنّ، عباده المؤمنين، وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات. وكان سبب نزول هذه الآية ما ذكره مقاتل بن حيَّان قال: بلغنا -والله أعلم -أن جابر بن عبد الله الأنصاري حَدَّث: أن "أسماء بنت مُرْشدَة" كانت في محل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير مُتَأزّرات فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل، وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا. فأنزل الله: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) الآية.

فقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) أي: عما حَرَّم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن. ولهذا ذهب [كثير من العلماء] (٨) إلى أنه: لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلا. واحتج كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي، من حديث الزهري، عن نبهان -مولى أم سلمة -أنه حدثه: أن أم سلمة حَدَّثته: أنها كانت عند رسول الله وميمونة، قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابنُ أمّ مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعدما أُمِرْنا بالحجاب، فقال رسول الله : "احتجبا منه" فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟


(١) صحيح البخاري برقم (٦٣٤٣) وصحيح مسلم برقم (٢٦٥٧).
(٢) في أ: "نظره".
(٣) في أ: "المقبري".
(٤) في أ: "زانية".
(٥) ورواه أبو نعيم في الحلية (٣/ ١٦٣) من طريق داود بن عطاء، عن عمر بن صهبان، عن صفوان، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به. فلا أدري أسقط أبو سلمة من إسناد ابن أبي الدنيا أم لا؟ وعمر بن صهبان منكر الحديث اتفق الأئمة على تضعيفه.
(٦) في ف، أ: "وهذا".
(٧) في أ: "وعزة".
(٨) زيادة من ف، أ.