وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: الرَّاضِي لَا يَتَمَنَّى فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ.
وَقَالَ ذُو النُّونِ: ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ التَّسْلِيمِ: مُقَابَلَةُ الْقَضَاءِ بِالرِّضَا، وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ. وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ التَّفْوِيضِ: تَعْطِيلُ إِرَادَتِكَ لِمُرَادِهِ، وَالنَّظَرُ إِلَى مَا يَقَعُ مِنْ تَدْبِيرِهِ لَكَ، وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْحُكْمِ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ التَّوْحِيدِ: رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ اللَّهِ، وَقَبُولُ كُلِّ شَيْءٍ عَنْهُ، وَإِضَافَةُ كُلِّ شَيْءٍ إِلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: أَصْلُ الْعِبَادَةِ ثَلَاثَةٌ: لَا تَرُدَّ مِنْ أَحْكَامِهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْأَلْ غَيْرَهُ حَاجَةً، وَلَا تَدَّخِرْ عَنْهُ شَيْئًا.
وَسُئِلَ ابْنُ شَمْعُونٍ عَنِ الرِّضَا؟ فَقَالَ: أَنْ تَرْضَى بِهِ مُدَبِّرًا وَمُخْتَارًا. وَتَرْضَى عَنْهُ قَاسِمًا وَمُعْطِيًا وَمَانِعًا. وَتَرْضَاهُ إِلَهًا وَمَعْبُودًا وَرَبًّا.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: الرِّضَا تَرْكُ الِاخْتِيَارِ، وَسُرُورُ الْقَلْبِ بِمُرِّ الْقَضَاءِ، وَإِسْقَاطُ التَّدْبِيرِ مِنَ النَّفْسِ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا.
وَقِيلَ: الرَّاضِي مَنْ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى فَائِتٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَتَأَسَّفْ عَلَيْهَا.
وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
الْعَبْدُ ذُو ضَجَرٍ. وَالرَّبُّ ذُو قَدَرٍ ... وَالدَّهْرُ ذُو دُوَلٍ. وَالرِّزْقُ مَقْسُومُ
وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيمَا اخْتَارَ خَالِقُنَا ... وَفِي اخْتِيَارِ سِوَاهُ اللَّوْمُ وَالشُّومُ
السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَرْضَ بِالْقَدَرِ وَقَعَ فِي لَوْمِ الْمَقَادِيرِ. إِمَّا بِقَالَبِهِ، وَإِمَّا بِقَلْبِهِ وَحَالِهِ. وَلَوْمُ الْمَقَادِيرِ لَوْمٌ لِمُقَدِّرِهَا، وَكَذَلِكَ يَقَعُ فِي لَوْمِ الْخَلْقِ. وَاللَّهُ وَالنَّاسُ يَلُومُونَهُ، فَلَا يَزَالُ لَائِمًا مَلُومًا. وَهَذَا مُنَافٍ لِلْعُبُودِيَّةِ.
«قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ. فَمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَهُ؟ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ كَانَ: لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ. وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ: لَيْتَهُ كَانَ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إِذَا لَامَنِي يَقُولُ: دَعُوهُ. فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ» .
وَقَوْلُهُ: لَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ. يَتَنَاوَلُ أَمْرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ مُرَادِ الْعَبْدِ. وَالثَّانِي: مَا وُجِدَ مِمَّا يَكْرَهُهُ. وَهُوَ يَتَنَاوَلُ فَوَاتَ الْمَحْبُوبِ، وَحُصُولَ الْمَكْرُوهِ، فَلَوْ قُضِيَ الْأَوَّلُ لَكَانَ. وَلَوْ قُضِيَ خِلَافُ الْآخَرِ لَكَانَ. فَإِذَا اسْتَوَتِ الْحَالَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَضَاءِ. فَعُبُودِيَّةُ الْعَبْدِ: أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْحَالَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِضَاهُ. وَهَذَا مُوجَبُ الْعُبُودِيَّةِ وَمُقْتَضَاهَا. يُوَضِّحُهُ: