وقد رأيت أن الأجدى عرض هذه الأبحاث متوازنة متواكبة حتى تغطي المحور العام الذي يشملها وهو القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية (حسابات الاستثمار المشتركة) .
وليس من شأن العرض مناقشة ما جاء في الأبحاث، ولكن من المفيد تسليط الضوء على ما انفرد به بعض الأبحاث حتى تكون محلًا للمناقشة.
في بحث فضيلة الشيخ تقي العثماني تناول تكييف المضاربة المشتركة في المقدمات وأن الميزة الأساسية فيها هي تعدد أرباب المال، بخلاف المضاربة المعهودة في كتب الفقه غالبًا بأن تكون بمال واحد ومضارب واحد.
وأشار في مقدمة بحثه إلى أن هناك علاقتين في هذه المضاربة المشتركة علاقة بين أرباب المال، وهي من حيث التكييف شركة، وقد أشار إلى بعض النصوص الواردة في هذا لابن قدامة والكاساني، وأنها حسب رأيه شركة عنان وليس شركة ملك، ثم أشار أيضًا إلى موضوع اختلاف النسبة التي يشترطها المضارب ربحًا له على أرباب الأموال، فليس بالضرورة أن تكون متماثلة، وأورد أيضًا نصوصًا مهمة عن البغوي والنووي وابن قدامة، وبين في ثنايا بحثه أن المضاربة المشتركة، أو الجماعية المستمرة، الأولى أن تكون نوعًا جديدًا، كما أنه تناول موضوع التقويم (التنضيض الحكمي) .
بحث فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور قطب مصطفى سانو أورد في مقدمته أهمية المضاربة، واستوفى تعريفات المضاربة من الفقهاء القدامى وبعض المعاصرين، أورد منهم تعريف الشيخ باقر الصدر، والدكتور سامي حمود، والدكتور حسن الأمين، والدكتور محمد فاضل الدبو.
وبين أن هذه التعريفات لهؤلاء الفقهاء المحدثين إنما هي شروح وتوضيحات ولا تخرج عن تعريفات المدونات الفقهية المعروفة.
ثم بين أن المضاربة المشتركة ليس لها تعريف لأنها أمر معاصر، لكن لها تصويرات صورها عدد من هؤلاء الفقهاء المحدثون وبينوا ما يتعلق بها، والمهم في هذا أنه أورد في مفهوم المضاربة رأيين: أحدهما ـ للدكتور سامي حمود ـ بأن هناك ثلاث علاقات، وأنه تابع فيها الشيخ باقر الصدر، وأن هذه العلاقات الثلاث ـ حسب تكييف الشيخ باقر الصدر ـ إنما هي بين أرباب المال وبين التجار الذين يعملون لتنفيذ المضاربة، وأما البنك فهو وسيط أو وكيل بأجر، وأنه يأخذ أجرًا كما يأخذ حافز من الربح وهذا التصوير مغمور الآن، والعمل على خلافه.
كما أنه فند هذا الأمر وبين أنه ليس هناك علاقة مباشرة بين أرباب المال وبين الذين ينمون هذا المال، وإنما العلاقة المباشرة بين أرباب المال وبين البنك الذي هو المضارب، ثم هذا المضارب بسبب أن المضاربة مطلقة يحق له أن يضارب هو فيتحول إلى كأنه رب مال، والذي ينمي المال هو مضارب ثان.