للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنت ترى هذا الربط الوثيق بين العمدية أي نية القتل والوسيلة المستخدمة في الجناية، فإذا كانت الوسيلة مما يقتل غالبا كهذه الأصناف التي ذكروها من حديد أو سيف أو رمح أو زجاج كان القتل قتلا عمدا لأن هذه الوسيلة قرينة على إرادة القتل، أما إذا كانت الآلة مما لا يقتل غالبا يكون القتل شبه عمد، لأن الوسيلة التي استعملها لا تدل على أن نية القتل كانت متوفرة، لأته قد يقصد الإيذاء من جرح أو غيره وقد يقصد القتل، ولما كان ذلك محتملا بأنه قصد القتل، وإيضاحا لما قررناه عنهم ننقل لك قول العلامة ابن عابدين: (لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله، ودليله استعمال القاتل آلته فأقيم الدليل مقام المدلول، لأن الدلائل تقوم مقام مدلولاتها في المعارف الظنية الشرعية.. وهو صريح أنه يجب القصاص إن لم يذكر الشهود العمد، وبه صرح الإتقاني، وفيه أنه لا يقبل قول القاتل: لم أقصد قتله) (١) .

وإلي هذا القول الذي يجعل الوسيلة المستخدمة في القتل قرينة على العمدية يذهب فقهاء الشافعية والحنابلة، فيقولون: أن القتل العمد لا يكون إلا بالآلة التي تقتل غالبا، أما إذا كانت الآلة مما لا يقتل غالبا، وكانت فقط تقتل كثيرا أو تقتل نادرا، فإن الجريمة لا تكون قتلا عمدا (٢) .


(١) حاشية ابن عابدين: ٥/٤٦٦؛ وانظر تبيين الحقائق (الزيلعي) : (٦/٩٧) .
(٢) تحفة الطلاب وحاشية الشرقاوي: ٢/٣٥٧؛ كشاف القناع: ٥/٤١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>