للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثاني

المناقصات

مقدمة:

سبق أن ذكرت، في مقدمة الورقة، أن لي ورقة سابقة حول المناقصات، قدمتها للدورة التاسعة، فلن أكرر هنا ما قلته هناك، وسأقتصر على أمرين:

١- الكلام في العناصر التي لم يسبق لي الكلام فيها، وهي:

أ- الفرق بين المناقصة وطرق الشراء الأخرى.

ب- حكم قصر الدخول في المناقصة على المرخص لهم حكوميًّا بذلك.

ج- هل يلزم إخبار المشتري بأن البضاعة تملكها البائع بالأجل؟

د- مماطلة المشتري في تسديد ثمن البضاعة.

٢- زيادة إيضاح مسألة بيع دفتر الشروط، ومناقشة آراء العلماء فيها.

الفرق بين المناقصة وطرق الشراء الأخرى

قد يقال هنا بكل سهولة: إن الغرض من المناقصة هو الوصول إلى أنقص ثمن. ولكن هذا أمر واضح، وليس هو المراد هنا. إنما يتبين الغرض منها بالمقارنة بينها وبين طرق أخرى للشراء، كطريقة الشراء المباشرة، الشراء بالمساومة.

في كلتا الطريقتين: المناقصة، والمساومة، يسعى البائع إلى أعلى ثمن، ويسعى المشتري إلى أقل ثمن. وفي طريقهما للوصول إلى هذا، نجد أن المشتري في المساومة يسلك سبيل المماكسة والمكاسرة، وأن البائع يسلك سبيل الاستقصاء أو التعظيم، وفي المناقصة ينعكس دور البائع، فيسلك سبيل النقص، بدلًا من الزيادة، لكي يظفر بالصفقة، ففي حين أنه في المساومة يتعارك مع المشتري لتحقيق أعلى ثمن ممكن، نجد أنه في المناقصة يتنافس مع الباعة الآخرين لتحقيق أقل ثمن ممكن.

وفي حين أن المشتري، في المسومة، يطوف على عدد من الباعة، لجمع المعلومات، ثم بعد ذلك يثبت المواصفات ويطلق الثمن، ليعقد الشراء بالثمن الأدنى، نجد أن المشتري، في المناقصة، يستجمع الباعة، ويجعلهم يطوفون عليه، بدلًا من أن يطوف عليهم.

وتتقارب المناقصة والمساومة، عندما يلجأ المشتري، في المساومة، لدى تجواله على الباعة، إلى أخذ عروض منهم سارية المفعول حتى أمد محدد، ليختار بعد ذلك أرخص عرض.

لكن يبقى هناك فرق لعله هو الفرق الفاصل بين الطريقتين، وهو أن المشتري مساومة له أن يتخير من شاء من الباعة، وأن يقتصر على العدد الذي يريده منهم. أما في المناقصة فإن المشتري يفتح الباب لجميع الباعة على قدم المساواة، فتعطى لهم فرص متكافئة في البيع، وهذا شيء توفره المناقصة (والمزايدة) ، ولا توفره المساومة، إذا كانت المساومة توفر الحرية للمشتري، فإن المناقصة توفر العدالة للبائع، هذا في المناقصة، وعلى الضد من ذلك في المزايدة، فالمساومة هنا توفر الحرية للبائع، ولكن المزايدة توفر العدالة للمشتري، وإذا كان هذا أمر يجب أن يسعى إليه كل من القطاعين العام والخاص، إلا أن القطاع العام حري به أن يكون القدوة في ذلك، لإشعار الجميع بأنهم أمامه سواسية لا محاباة لأحد على أحد، ولولا ذلك لربما اتهم الناس القطاع العام بالمحاباة والتواطؤ والرشوة والفساد واستغلال النفوذ. فكما أن الضرائب واجبة على الجميع، فكذلك البيع حق للجميع، جميع الباعة، وإلا اختل ميزان العدل والمساواة في الحقوق والواجبات.

<<  <  ج: ص:  >  >>