للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجاز متأخروا الحنفية هذا البيع، على سبيل الاستحسان، وسموه: بيع الاستجرار.

ولابد من الإشارة إلى أن سعر السوق هو السعر الذي يتحدد في سوق السلعة، ولا دخل لإرادة أي من المتعاقدين فيه. ذلك لأنه لو كان كذلك لأفضى إلى النزاع، حيث يسعى البائع إلى رفعه، ويسعى المشتري إلى خفضه.

لكن قد يرد على هذا أن البيع الذي أجازه هؤلاء الفقهاء يتعلق بالمبيعات القليلة القيمة. فهل يجوز أيضًا في عقد التوريد، حيث المبيعات تكون مرتفعة القيمة؟

لقد بحث عبد السميع إمام (١) هذا البيع، بعنوان: (البيع بثمن يحدده السوق في المستقبل) ، ولم يجزه، وضرب مثالًا عليه، بتجارة الأقطان.

هل يشترط في عقد التوريد أن يكون المبيع عام الوجود، كما في السلم؟

اشترط الفقهاء في بيع السلم أن يكون المبيع عام الوجود في السوق، لكي يكون البائع قادرا على تسليمه. ومنهم من اشترط عموم وجوده، في وقت التعاقد وحتى وقت التسليم، بحيث لاينقطع في هذه المدة وجوده من السوق. ومنهم، وهم الجمهور، من اكتفى بعموم وجوده في وقت التسليم فقط. ومنع الفقهاء في بيع السلم أن يكون المبيع منصبًا على شجرة معينة، أو بستان معين، أو مصنع معين.

وبما أن عقد التوريد يشبه عقد السلم، في أنه بيع موصوف في الذمة، فهل يشترط فيه هذا الشرط الذي اشترطه الفقهاء في بيع السلم؟

يبدو لي أن هذا الشرط مهم في كلا العقدين، إذا كان المبيع سلعًا زراعية، معتمدة على الأمطار، ومعرضة للإصابات نتيجة التقلبات الجوية، كالصقيع، والريح، والآفات الزراعية، ولا سيما في البلدان المختلفة اقتصاديًّا.

أما إذا كان المبيع من السلع الصناعية، التي تقوم بإنتاجها مصانع كبيرة، وتتمتع بقدرة عالية على الإنتاج والتسليم، ففي هذه الحالة قد يكون هذا البيع جائزًا، والله أعلم.

ضمان المبيع بالتوريد:

قد يحصل المشتري: " " من البائع على ضمان صلاحية المبيع للعمل مدة معلومة، ويطمئن بذلك إلى أن اشترى شيئًا صالحًا للعمل، هذه المدة على الأقل، ويغلب أن المبيع إذا صلح للعمل هذه المدة، يكون صالحًا للعمل بعد انقضائها، على المدى المألوف في التعامل. وهذا الشرط جائزًا (قانونًا) ، ويجب العمل به " (٢) .


(١) نظرات في أصول البيوع الممنوعة، ص ٧٦.
(٢) الوسيط للسنهوري: ٤ / ٧٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>