للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب الحنفية في الأصح عندهم، والشافعية في قول مرجوح، والحنابلة في وجه، إلى عدم الانفساخ، وذلك لأنه يمكن الانتفاع بالعرصة بعد انهدام الدار بنصب خيمة، أو جمع حطب، أو بيع الأشياء فيها، أو نحو ذلك فلم تبطل المنفعة جملة، ولذلك يكون المستأجر بالخيار بين الفسخ والإمضاء، فإن فسخ كان عليه أجرة ما مضى على ضوء ما سبق، وإن أمضاه ورضي به فعليه جميع الأجر، لأن ذلك بمثابة عيب رضي به فسقط حكمه (١) ، والأول أرجح لعدم بقاء المعقود عليه الذي أراده العاقدان، قال ابن قدامة في ترجيح رأي الجمهور: "لأنه زال اسمها –أي الدار- بهدمها وذهبت المنفعة التي تقصد منها، ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار يسكنها" (٢) .

غصب العين المؤجرة:

إذا غصبت فقد ثبت للمستأجر حق الفسخ، لأن فيه تأخير حقه، فإن فسخ فالحكم فيه كحكم الفسخ عند هلاك العين من حيث احتساب الأجرة لما مضى.

وإن لم يفسخ حتى مضت مدة الإجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى، وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل، لأن المعقود عليه لم يفت مطلقاً بل إلى بدل، وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف آدمي الثمرة المبيعة قبل قطعها، ويتخرج انفساخ العقد بكل حال على الرواية التي تقول: إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول الحنفية (٣) .

عدم الانتفاع بالعين المستأجرة لظروف قاهرة أي خارجة عن إرادة العاقدين، وذلك كحدوث حرب في منطقة خاف أهلها من البقاء فيها فتركوها، وبينهم المستأجرون، فقد ذكر ابن قدامة أن هذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ، لأنه –أي الخوف العام- أمر غالب يمنع المستأجر استيفاء المنفعة فأثبت الخيار كغصب العين، ولذلك لا يستوجب الخوف الخاص الخيار، فلو أن المستأجر يخاف من السكنى في الدار لخوف خاص به مثل أن يخاف وحده لقرب أعدائه من منزله المستأجر، أو حلولهم في طريقه لم يملك الفسخ، لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية، حيث يستطيع تأجيره لغيره (٤) .


(١) المصادر السابقة نفسها.
(٢) المغني: ٥/٤٥٥.
(٣) المصدر السابق: ٥/٤٥٥-٤٥٦؛ والروضة: ٥/٣٤٢؛ والذخيرة: ٥/٥٣٧.
(٤) المغني: ٥/٤٥٦؛ وشرح منتهى الإرادات: ٢/٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>