للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحجة القائلين بفساد العقد تكمن في أن ذلك يدخل في اجتماع شرطين في العقد، أو صفقتين في صفقة واحدة، وهذا منهي عنه.

ولكن التحقيق أن المراد بهما هو اجتماع السلف مع البيع أو الإجارة (١) .

وأما حجة القائلين بالجواز هو أن هذا الشرط، أو الشرطين ليس فيه، أو فيهما مخالفة لنص من الكتاب والسنة، ولا لمقتضى العقد، ولا يؤدي ذلك إلى غرر، وجهالة تؤدي إلى نزاع، لذلك؛ فالراجح هو المذهب الثاني، لما ذكرنا، ولأن الأصل في الشروط الصحة إلا إذا دل دليل على فسادها، ولا دليل هنا على ذلك، بل يحقق غرضاً مشروعاً، وقد ذكر الكاساني أن العاقد سمي في اليوم الأول عملاً معلوماً، وبدلاً معلوماً، وكذلك في اليوم الثاني، فلا معنى إذن لفساد الشرط فضلاً عن فساد العقد (٢) ، ولأنه سمى لكل عمل عوضاً معلوماً كما لو قال: كل دلو بثمر، إضافة إلى أن التعجيل والتأخير مقصودان فينزل منزلة اختلاف النوعين (٣) .

وأجاز مالك أن تكون الأجرة الكسوة بأن يستأجره على أن يكسوه أجلاً معلوماً، وبالمقايضة بأن يدفع خمسين جلداً على أن تدبغ خمسين أخرى مثلاً، ولم يجيزوا الكراء بمثل ما يتكارى الناس للجهالة، ولا إكراء الدابة بنصف الكراء، وإذا عمل فله أجرة مثله، وأجازه يحيى بن سعيد، وكذلك أجاز أن يقول: احتطب على الدابة، ولي نصف الحطب، أو لي نقلة، ولك نقلة (والأخيرة أجازها الجميع لأن مقدار النقلة معلوم عادة، ومقدار الحطب يختلف) ، وجوز ابن القاسم: اعمل عليها اليوم لي، وغداً لك، وأجاز أشهب: احمل طعاماً إلى موضع كذا ولك نصفه، وأجازوا كذلك أن تختلف الأجرة من شهر أو يوم إلى آخر بأن تكون أجرته في الشهر الأول خمسة، وفي الثاني ستة أو بالعكس (٤) .

عدم تسمية الأجرة، ثم التراضي:

أجاز مالك في رواية لابن يونس عنه عدم ذكر الأجرة في العقد، ثم إرضاء الأجير (٥) ، وهذا مبني على العرف، وعلى أن الأساس هو التراضي.

والخلاصة: أن الشرط الأساسي في الأجرة هو أن تكون معلومة علماً يدرأ جهالة مؤدية إلى النزاع من خلال التعيين، أو الوصف ببيان الجنس، والنوع، والقدر، وذلك للأحاديث الواردة في نفي الغرر والجهالة (٦) .


(١) يراجع للتفصيل في معاني الأحاديث الواردة في هذا المجال بحثنا المنشور في مجلة مركز بحوث السنة والسيرة بعنوان: أحاديث النهي عن صفقتين في صفقة واحدة فقهها وتخريجها.
(٢) البدائع: ٥/٢٥٨٥.
(٣) العناية شرح الهداية: ٧/١٣١.
(٤) الذخيرة: ٥/٣٨٥.
(٥) الذخيرة: ٥/٣٧٨؛ ومواهب الجليل: ٧/٤٩٤.
(٦) يراجع السنن الكبرى للبيهقي: ٦/١٢٠-١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>