للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أورد الشاطبي في هذه المسألة بيانًا دقيقًا لفلسفة التشريع في هذه المسألة فقال: موضوع الاختلاف عند الأصوليين هو ما تعددت فيه آراء المجتهدين وأهل الرأي في المسائل التي لم يرد فيها دليل قطعي، إذ محل الاجتهاد المعتبر هو ما يتردد فيه بين طرفين ويظهر في كل منهما قصد الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر، فأما القطعي فلا مجال للنظر فيه بعد وضوح الحق في النفي أو الإثبات وليس محلًا للاجتهاد، وكل المسائل التي وقع فيها الاختلاف إنما وقع فيها لأنها دائرة بين طرفين واضحين فحصل الإشكال والتردد، وبإحكام النظر في هذا المعنى يترشح للناظر أن يبلغ درجة الاجتهاد، لأنه يصير بصيرًا بمواضع الاختلاف جديرًا بأن يتبين له الحق في كل نازلة تعرض له. ثم أورد الشاطبي حديث ابن مسعود: أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصورًا في العمل (١) .

المعيار النسبي للمسائل الخلافية:

هذا عن موضوع المقارنة، أما تحديد المخالف من غيره بين المذاهب فإن الحكم بكون المسألة الفقهية خلافية لا يستقيم إلا بوضع معيار لذلك، فإنه إذا لم يوجد ذلك المعيار اعتبر كل فريق أن سواهم هو المخالف.

وقد كثر الاختلاف في المسائل الفقهية إلا قليلًا، يعرف هذا من النظر في الكتب التي أفردت لهذا الغرض، مثل مراتب الإجماع لابن حزم وغيرهما من كتب الفقه المقارن.

والسبيل إلى حُسن الاستخدام لهذا المصطلح، في مجال التطابق والتناسق بين المذاهب، مراعاة الاتفاق والاختلاف، وليس المراد به اختلاف مذهب عن مذهب، وإنما المخالفة للجمهور، أي ما عليه بقية الفقهاء، قال الحجوي: وقد اتفقوا في مسائل كثيرة، فمنها ما وقع عليه إجماع الأمة معهم، ومنها ما خالفهم فيها غيرهم، وتلك المسائل التي فيها الاتفاق لا تنسب إلى واحد منهم، فلا يقال في نحو وجوب الزكاة: إنه مذهب مالك مثلًا، فلا يضاف لكل واحد منهم إلا ما اختص به (٢) .


(١) الموافقات للشاطبي: ٤/١٦٢.
(٢) الفكر السامي: ٤/٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>