احتكام غير المسلم إلى محاكم إسلامية في دولة إسلامية
للعلماء في هذه المسألة خلاف بين وأصله قوله تعالى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[المائدة: ٤٢] .
الكلام في الآية في موضعين:
الأول: في بقاء التخيير وعدمه.
والثاني: في موضع الحقوق.
أما عن الأمر الأول:
فقد تباينت الآراء في بقاء التخيير بين الفصل في أنزعتهم إذا لجئوا إلى قضاتنا أو عدم الفصل فيها وتركها وشأنهم في اللجوء إلى رؤسائهم ومحاكمهم الخاصة بهم فذهب فريق إلى بقاء التخيير وذهب آخرون إلى أن التخيير قد نسخ وأنه يجب الفصل إذا لجئوا إلينا وذهب فريق ثالث إلى بقاء التخيير في المعاهدين والمستأمنين ولزوم الفصل في حق أهل الذمة ويفرق ابن العربي بين جرائم القتل والغصب فيلزم الحكم في هذه الجرائم يخير فيما سواهما، وهذه تفاصيل أقوالهم:
قال الجصاص: ظاهر ذلك يقتضي معنيين:
أحدهما: تخليتهم وأحكامهم من غير اعتراض عليهم.
الثاني: التخيير بين الحكم والإعراض إذا ارتفعوا إلينا.
وقد اختلف السلف في بقاء هذا الحكم:
فقال قائلون: إذا ارتفعوا إلينا فإن شاء الحاكم حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وردهم إلى دينهم. وقال آخرون: التخيير منسوخ فمتى ارتفعوا إلينا حكمنا بينهم من غير تخيير.
وقد قال بالتخيير الحسن والشعبي وإبراهيم وذهب ابن عباس إلى أن آية التخيير منسوخة بقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}[المائدة: ٤٩] .