للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثالث في الشروط من جهة المحكوم به

المحكوم به لا يخلو الأمر إما أن يكون في مسائل الأحوال الشخصية أو في مسائل المعاملات المالية أو في مسائل الحدود والقصاص أو في مسائل أحكام السياسات الشرعية.

أ- التحكيم في مسائل الشقاق بين الزوجين

أما عن الأمر الأول وهو التحكيم في مسائل الأحوال الشخصية فقد جاء في كتاب الله قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥] .

قال ابن العربي في أحكامه: هي من الآيات الأصول في الشريعة (١) ، وقال: هذا نص من الله سبحانه وتعالى في إنهما قاضيان لا وكيلان ... وينظران فيما عند الزوجين بالتثبت فإن رأيا للجمع وجها جمعا وإن وجداهما قد أثابا تركاهما وهذا مذهب مالك، وقال أبو حنيفة وأحمد: إنهما وكيلان عنهما فلا يفرقان بينهما إلا برضاهما وهو الأصح من قولي الشافعي (٢) والقول الثاني يتفق وقول مالك.

وعلى هذا فالتحكيم في هذه الشعبة من شعب الفقه متفق عليه وإن كان ثمة خلاف فإنما هو في مدى اختصاص الحكمين بالتفريق وهل تشترط موافقة الزوجين أم ينفردان دونهما بالتفريق، كما اختلفوا في المخاطبين بهذا الخطاب (فابعثوا) ، قال سعيد بن جبير: إنه السلطان الذي يترافعان إليه. السدي: الرجل والمرأة، وقال مالك: قد يكون السلطان وقد يكون الوليين إذا كان الزوجان محجورين (٣) .

اختلف في بعض مسائل الأحوال الشخصية هل يجوز فيها التحكيم أم لا؟ ومن هذه المسائل: اللعان والنسب والطلاق وفسخ النكاح والرشد والسفه وكذلك بالنسبة للغائب مما يتعلق بماله وزوجته وحياته وموته، فقد نص المالكية على عدم جواز التحكيم في هذه المسائل؛ لأن هذه الأمور إنما يحكم فيها القضاة، ولأن الحق فيها يتعلق بغير الخصمين إما لله كالطلاق وإما لآدمي كاللعان والولاء والنسب، ففي اللعان حق الولد بقطع نسبه وفي الولاء والنسب ترتيب أحكامها من نكاح وعدمه وإرث وعدمه وغير ذلك على الذرية التي ستوجد (٤) . وقال الشافعية لا يجوز التحكيم في الولاية على الأيتام وإيقاع الحجر على مستحقيه (٥) وهناك مسائل هي محل خلاف بين الفقهاء كمسألة اللعان فقد نقل الماوردي فيها وجهين (٦) وقال الحنابلة يجوز التحكيم في اللعان.

بل الحنابلة أطلقوا الجواز جاء في كشاف القناع: نفذ حكمه في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها حتى مع وجود قاض فهو كحاكم الإمام (٧) .


(١) أحكام القرآن جـ ١ / ٤٢١
(٢) أحكام القرآن للكيا الهراسي جـ ٢ / ٣٦٨؛ وأحكام القرآن للجصاص جـ ٣ / ١٥٢
(٣) أحكام القرآن للكيا الهراسي جـ ٢ / ٣٦٨؛ وأحكام القرآن الجصاص جـ ٣ / ١٥٢
(٤) الشرح الصغير جـ ٤ / ١٩٩
(٥) أدب القاضي للماوردي جـ ٢ / ٣٨١
(٦) أدب القاضي للماوردي جـ ٢ / ٣٨١
(٧) كشاف القناع جـ ٦ / ٣٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>