الأمر الثامن: موضوع الشرط الجزائي عند التأخير. ما حكم خضوع المتعاقد مع الجهة لغرامة تأخير، وهذا قد تصل إلى ٤? من قيمة عقد التوريد، و١٠? من قيمة عقد الأشغال العامة؟
المجمع الكريم وافق على بعض صور الشرط الجزائي من قبيل لاتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً، وكذلك وافق على مصادرة العربون. وقد ورد عن ابن سيرين أنه قال لرجل: أرحل ركابك فإن لم أرحل معكم يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه.
وطرح الأستاذ المصري السؤال التالي: هل تشبه غرامات التأخير فوائد التأخير؟ وأجاب بأن فوائد التأخير تتعلق بتأخير وفاء القرض فهي من الربا، أما غرامات التأخير فتتعلق بالبيوع والإجارات، ولكن إذا اعتبرنا المبيع المستحق ضرباً من الدين من الالتزام فإنه تأتي هنا شبهة تقضي أم تربي، ولذلك فيجب التفصيل بين الصور وقد جاء بمثالين من الإجارة والبيع ليؤكد قيمة الزمن في الإسلام، وأن الأجرة تتأثر بزمن العمل، طبعاً على أن يكون العقد غير مردد بين أمرين لكن أن يدخل الزمن في حسابه لمعرفة الأجرة لا مانع من ذلك. نقل عن المدونة: قلت: أرأيت إن رفعت إلى خياط ثوباً يخيطه لي، فقلت له: إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غداً فبنصف درهم، أتجوز هذه الإجارة في قول مالك أم لا؟ قال: لا تجوز هذه الإجارة عند مالك. قلت: لم؟ قال: لأنه يخيطه على أجر لا يعرفه. فهذا لا يعرفه أجره فإن خاطه فله أجرة مثله. عدم الجواز تابع للترديد الموجود، أما إذا ركز في ... بعني عندما ... أخد الطرفين يأخذ الزمن بحسابه. ولكن هذا جائز لأن عقد الإجارة على إحدى الأجرتين دون ترديد. وهكذا يرى أن الشرط الجزائي لو كان لعدم التنفيذ يجوز ويأخذ حكم العربون، وإن كان لأجل التأخير في التنفيذ لم يجز؛ لأنه يأخذ حكم ربا النسيئة إلا أن تكون للدولة –كما يقول- أحكام أخرى.
أما بالنسبة للتعزير المالي فيسير إلى موافقة بعض العلماء عليه خلافاً للجمهور، وهو –الدكتور المصري- حفظه الله – يقول بالتفصيل. أما الشيخ الجواهري فيذكر أن للشرط الجزائي ثلاث صور يمثل لها من عقد الإجارة، فتارة يقترح موضوع التنقيص من الأجرة مع تعيين المقدار، هذا المقدار ينقص إن لم تلتزم، وهنا يذكر أن الأكثر – من علماء الإمامية- على جوازه مستدلين بقاعدة (المؤمنون عند شروطهم) ، وما رواه الحلبي قال: كنت قاعداً عند قاضٍ من القضاة وعنده الباقر جالس فأتاه رجلان، فقال أحدهما: إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا؛ لأنها سوق أتخوف أن تفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكل يوم احتبسه كذا وكذا، وأنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً؟ فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفيه كراه، فلما قام الرجل أقبل إلي أبو جعفر- يعني - الباقر فقال: شرط هذا جائز لم يحط بجميع كراه. هذه حالة، حالة أن يكون التنقيص بمبلغ معين، وأخرى أن يكون التنقيص من الأجرة دون تعيين، هنا يبطل الشرط الجزائي للجهالة وينتقل الأمر إلى أجرة المثل. أما سقوط الأجرة بأكملها فهو باطل –كما يقول الشيخ- لمنافاته لمقتضى العقد ويرجع لأجرة المثل باعتبار أنه عمل عملاً محترماً أولاً، وأيضاً لقاعدة (ما يضمن بصحيحه –يعني إذا كان صحيحه فيه ضمان –يضمن بفاسده) ، فإذا لم نقتصر هنا على الإجارة صححنا هذا الشرط كما يقول، خصوصاً مع انطباق قاعدة (المسلمون عند شروطهم) على كل الموارد.