ولكن البنك إنما يصدر خطاب الضمان ويتحمل المسؤولية في مقابل نسبة مئوبة يحصل عليها من صاحب الخطاب، وعلى هذا يتولد لهذا الإجراء جانبان:
الجانب الأول: العلاقة بين من يدعو إلى المناقصة ومن يدخل في المناقصة، فالأول الذي يكون هنا هو المشتري للسلعة أو المؤجر للعمل أو المشتري لما يصنعه المقاول، له أن يشترط في العقد ما يضمن حقوقه ومصلحته سواء كان في صورة ضمان أو رهن أو غير ذلك استناداً إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((المسلمون عند شروطهم)) . فإذا طالب المقاول بضمان بنكي فهو حق له لا إشكال فيه.
الجانب الثاني: العلاقة بين المناقص (المقاول) والبنك الذي يصدر خطاب الضمان، فإن البنك هنا يأخذ نسبة مئوية من صاحب الخطاب الذي صدر الخطاب بطلبه، فهل لهذه النسبة المأخوذة وجه شرعي؟
الجواب: لقد ذكر الشهيد الصدر رحمه الله جواز ذلك معبراً عنها "عمولة على خطاب الضمان هذا؛ لأن التعهد الذي يشتمل عليه هذا الخطاب يعزز قيمة التزامات الشخص المقاول، وبذلك يكون عملاً محترماً يمكن فرض جعالة عليه أو عمولة من قبل ذلك الشخص"(١)
١- أقول: إن الارتكاز العرفي والعقلاني يقول بأن عملية الضمان المجردة من قبل البنك للمقاول بأداء شرط المشترط ليست مما تقابل بالمال، وإنما الذي يقابل بالمال هو نفس خسارة البنك عند عدم قيام المقاول بالتزاماته مطلقاً، نتيجة لضمان البنك، فالعملية التي قام بها البنك من ضمان شرط المقاول فيها جانبان، الأول نفس عملية الضمان كألفاظ معينة والثاني تحمل البنك الخسارة على تقدير عدم التزام المقاول بالتزاماته مطلقاً، والذي يكون مهمًّا في تعزيز التزامات المقاول كلا الأمرين الذي يكون الثاني منهما هو لب الأول، والأول يكون كاشفاً عن الثاني، فإذا أخذ البنك على عملية الضمان المجرد مالاً بنحو الإلزام كان من أكل المال بالباطل. أما إذا آل الضمان اللفظي إلى خسارة البنك في حالة معينة (وهي حالة –عدم سداد المقاول ما عليه من الشرط عند التخلف عن أداء التزاماته) فهو مضمون على المقاول بلا إشكال فلا يتمكن أن يأخذ عمولة عليها.
٢- إننا لو تحررنا من الارتكاز العقلاني المتقدم، وصرحنا بأن العمولة يأخذها البنك في مقابل نفس عملية الضمان، فحينئذ نقول:
إن العمولة إنما يصح أخذها شرعاً في خصوص ما قابلها من عمل قابل للضمان (كالخياطة والحلاقة وأشباهها) بخلاف ضمان البنك وحده (من دون دخل الإجراءات الإدارية في ذلك الذي تستوجب أخذ المال عليها) فإن ضمان البنك وحده من قبيل الألفاظ والأعمال التي ليست قابلة للضمان لعدم مالية له إلا نفس مالية المال المعطى من قبل البنك عند تخلف المقاول عن التزاماته وما شرط عليه، وهذا المال مضمون على المقاول، ولا يوجد عمل آخر له مالية حتى يصح ضمانه ليأخذ أجراً عليه.
(١) البنك اللاربوي في الإسلام / للشهيد الصدر/ ص ١٣١