للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الثاني (بيع الكلي حالاً) : فقد ذكر الفقهاء أن بيع الكلي في الذمة حالاً صحيح تشمله الأدلة العاملة لصحة البيع مع خصوص صحيح ابن الحجاج قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالاً؟

قال: ليس به بأس.

قلت: إنهم يفسدونه عندنا.

قال: فأي شيء يقولون في السلم؟

قلت: لا يرون فيه بأساً، يقولون: هذا إلى أجل فإذا كان غير أجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح.

قال: إذا لم يكن أجل كان أحق به.

ثم قال: لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل، وحالاً لا يسمى له أجلاً إلا أن يكون بيعاً لا يوجد مثل العنب والبطيخ في غير زمانه، فلا ينبغي شراء لك حالاً" ونحوه آخر (١)

النتيجة: أن المناقصة ليست من بيع ما ليس عندك:

وبعد أن اتضحت هذه الأمور:

١- إن المراد من (لا تبع ما ليس عندك) هو في خصوص العين الشخصية التي تكون ملكاً للغير، فلا يجوز لغير صاحبها أن يبيعها ثم يشتريها ويسلمها إلى المشتري.

٢- وإن بيع الكلي في الذمة صحيح، سواء كان سلماً (مؤجلاً) أو حالاً، ما دام تسليمه إلى المشتري مقدوراً.

نأتي إلى ما نحن فيه وهو بيع المناقصة فنقول:

١- إذا كانت المناقصة عبارة عن رغبة المشتري في الحصول على شيء كلي له مواصفاته الخاصة فيكون المناقص بائعاً لهذا الكلي بثمن يعرضه، فإن رست عليه العملية فهو صحيح لصحة بيع الكلي.

أ- فإن كان هذا الكلي سلعة مؤجلة إلى أجل معين فهو بيع سلم.

ب- وإن كان هذا الكلي سلعة حالة فهو بيع الكلي الحال.

ج- وإن كان هذا الكلي عبارة عن صنع شيء معين إلى أجل معين فهو بيع الاستصناع الذي هو قسم من السلم.

د- وإن كان هذا الكلي عملاً في المستقبل كالزرع والسقي والضرب في الأرض بحصة من الربح فهو مزارعة ومساقاة ومضاربة.

هـ- وإذا كان هذا الكلي عملاً له شرائطه كالبناء والخياطة والطباخة بأجرة معينة فهو إجارة. وهكذا.

وعلى هذا تبين أن المناقصة التي يدعو لها فرد أو جهة معينة لا تتصور في الرغبة في شراء شيء معين خارجي له مالك واحد أو متعددون، بل يتصور هنا المساومة والمراوضة معهم للوصول إلى الاتفاق على شيء خاص وهو غير المناقصة.

الفرق بين المواعدة والمناقصة:

بقي أن نعرف الفرق بين المواعدة والمناقصة، فنقول: إذا كانت المناقصة (عبارة عن بذل سلعة كلية أو عمل كلي بمواصفات معينة بثمن معين، وهو معنى الإيجاب وصاحبها يكون هو البائع، وإرساء المناقصة على أي واحد من المتناقصين هو القبول من قبل المشتري فمعنى ذلك: أن العقد يتم ويكون ملزماً بهذه الأمور التي تكون على صورة الجزم والبت) (٢) فقد اتضح فرقها عن المواعدة التي لا تكون ملزمة للطرفين، بل يكون صاحباها بالخيار إن شاءا عقدا وإن شاءا تركا كما ذكرت ذلك الروايات كصحيحة معاوية بن عمار قال: "قلت للصادق عليه السلام: يجيئني الرجل يطلب مني بيع الحرير وليس عندي منه شيء، فيقاولني عليه، وأقالوه في الربح والأجل حتى نجتمع على شيء، ثم أذهب فأشتري له الحرير، فأدعوه إليه، فقال عليه السلام: أرأيت إن وجد بيعاً هو أحب إليه مما عندك أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك، أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف إليه وتدعه؟ قلت: نعم.

قال: فلا بأس (٣)

والمفهوم من هذه الصحيحة هو أن الرجل الذي طلب الحرير من الآخر لم يحصل بينهما البيع الكلي في الذمة وإنما تقاولا، وبما أن التقاول قد يكون ملزماً كالعهد وقد لا يكون ملزماً كالوعد، أراد الإمام عليه السلام أن يفهمه بأن التقاول غير الملزم وهو المواعدة أو الوعد الذي ليس لها صفة إلزام في البيع أو الشراء، بينما الذي له صفة الإلزام هو العهد أو البيع الكلي ولم يصلح أي منهما.


(١) وسائل الشيعة/ ج١٢/ باب ٧ من أحكام العقود /ح١ وح٣.
(٢) وإنما يبرم العقد بعد ذلك، بمعنى كتابته كوثيقة.
(٣) وسائل الشيعة / ج١٢ باب ٨ من أحكام العقود/ ح٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>