للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الأول: إذا كان مع الذهب شيء غيره، فإنه لا يحل بيع ذلك الشيء بالذهب، لا بأكثر من وزنه ولا بأقل ولا بمثله، حتى يفصل الذهب وحده، فيباع مثلا بمثل، وهو مذهب المالكية والشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، نص عليه الإمام أحمد في مواضع كثيرة، وعليه جماهير الأصحاب، وهو قول زُفَر من الحنفية، وقول ابن حزم، ومن الصحابة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى محمد بن عبد الله الشعبي، عن أبي قلابة، عن أنس قال: أتانا كتاب عمر ونحن بأرض فارس: لا تبيعوا سيوفا فيها حلقة فضة بالدرهم. وصح عن ابن عمر أنه كان لا يبيع سرجا ولا سيفا فيه فضة حتى ينزعه، ثم يبيعه وزنا بوزن.

ويستثني أصحاب هذا القول – ما عدا ابن حزم من المنع – ما إذا كان الذهب المضموم مع غيره مصنوعا صناعة يتعذر معها فصل كل منهما عن الآخر، أو أن فصلهما يؤدي إلى تخريب الصنعة، فهنا يكون المبيع قيميا، فيجوز بيعه بالذهب. قال الإمام الشافعي: (وهكذا كل صنف من هذه خلطه غيره مما يقدر على تمييزه منه، لم يجز بيع بعضه ببعض إلا خالصا) . ويستثنون أيضا ما إذا كان الذهب في المبيع تابعا لغيره.

يعني كما ذكر أصحاب الفضيلة في الساعة التي فيها شيء من الذهب، يستثنون أيضا ما إذا كان الذهب في المبيع تابعا لغيره، بأن كان المقصود الأعظم غير جنس ربوي، فيجوز البيع، وهو قول الإمام مالك وأحمد في المشهور عنه ـ والأصح من مذهب الشافعية، وهو مذهب الحكم بن عتيبة والحسن وإبراهيم، وقول سفيان.

أما دليل هذا الأمر فهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – حديث القلادة – وهو وارد في صحيح مسلم وغيره، فعن فضالة بن عبيد الأنصاري يقول: أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في خيبرَ بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب وزنا بوزن)) ، وفي رواية قال: ((لا تباع حتى تفصل)) رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه. فقد تضمن الحديث الشريف الأمر بفصل الذهب في القلادة عن الخرز وبيعه وحده؛ لأنه لا يجوز بيع الذهب مع غيره بذهب، حتى يفصل من ذلك الغير ويميز؛ ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره، لماذا؟ لاتحادهما في العلة وهي تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلا، ولأن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، وفي هذه المسألة يجهل تساوي الذهب الذي في الساعة بالذهب الذي هو ثمن الساعة، ومثله نَهْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر بالكيل المسمى من التمر، ونهيه عن بعض الرطب خرصا والحَبّ في سنبله قبل اشتداده خرصا، كما في المزابنة والمحاقلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>