للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨- ما نراه حيال موضوع التضخم والربط القياسي

عرضنا فيما سبق للتضخم ومخاطره ومضاره المتنوعة، ولأساليب وطرق مواجهته، ثم عرضنا لقضية الربط القياسي، ولانقسام الاقتصاديين حيالها ما بين مؤيد ومعارض، ثم عرضنا لموقف الاقتصاديين الإسلاميين لهذه القضية وقلنا: إنهم بدورهم قد انقسموا حيال تأييدها ورفضها، معتمدين على المبررات الاقتصادية المعروفة وضعياً، وكذلك على موقف الشريعة من تلك القضية، وأبدينا بعض الملاحظات حول الدراسات المقدمة في هذا الشأن، وفي ضوء ما تم عرضه يمكن الخلوص إلى ما يلي:

١- أن يركز البحث الاقتصادي الإسلامي في هذا الموضوع على السياسات الاقتصادية المختلفة التي تحقق درجة حميدة من الاستقرار السعري، وألا ينشغل في هذا الشأن بمسائل أخرى قد لا تكون لها فائدة كبيرة.

وبهذا نتلافى بقدر الإمكان الآثار الضارة للتضخم، ولا نضطر لاستخدام سياسات يظن أنها تحد من آثاره في حين ما قد يكون لها من آثار ضارة، فنكون قد أزلنا الضرر بضرر.

معنى ذلك التأكيد على مخاطر التضخم ومحاذره الاقتصادية والشرعية، والطرق الكفيلة بالحد منه، وقد أكدت أكثر من دراسة سابقة أن ذلك هو الاتجاه الصائب.

٢- فيما يتعلق بمواجهة آثار التضخم يمكن القول: إن هناك مواجهة قبلية ومواجهة بعدية:

أ- المواجهة القبلية: والمتمثلة في سياسة الربط، وفي ضوء كل ما قيل عن هذه السياسة سواء من قبل الاقتصاديين الوضعيين أو الاقتصاديين الإسلاميين أرى أن يتم أولاً حسم للقضية من الناحية الشرعية بالتركيز على قضية الربا وقضية الجهالة ومدى سلطة الدولة في التدخل في العقود، فإذا ما اتضح بجلاء الموقف الشرعي وتبين أن العمل بها لا يوقعنا في محظور شرعي فإنني أرى أنه يمكن استخدامها في ظل ضوابط معينة أهمها: أن يكون معدل التضخم مرتفعاً، وأن يكون استخدامها اختيارياً، وأن تصحب بشكل صريح بالسياسات التي تواجه أسباب التضخم، وأن نتأكد اقتصادياً من أنها أفضل سياسة متاحة للحيلولة دون آثار التضخم السلبية، وأن يدرس كل عقد على حدة ويقرر بشأنه ما يصلح له؛ إذ لكل عقد أو ارتباط طبيعته الخاصة، ومن الواضح أن مسألة ربط الديون التي أصلها قروض تحتاج إلى نظر فقهي دقيق ومعمق، حتى لا نقع في الربا، بينما العقود الأخرى وإن كانت بعيدة عن ذلك إلا أنها في حاجة إلى التأكيد على مسألة الجهالة المفضية إلى المنازعة.

ب- المواجهة البعدية: بمعنى ماذا يحدث في ظل التضخم عند الوفاء بالعقود وسد الالتزامات؟ أعتقد أن هذه مسألة فقهية فنية، ترجع إلى الفقهاء المعاصرين وما يرونه حيالها، آخذين في الاعتبار أن قضية التضخم وما يتعلق بها ويتفرع عنها هي قضية معاصرة في المقام الأول، ومن ثم فينبغي عدم الاقتصار على معرفة أقوال الفقهاء القدامى المباشرة في هذه القضية، بل عليهم النظر في موضوعات فقهية متعددة وبخاصة ما يتعلق بالتصرف في الديون والحقوق والاعتياض عنها، ودور الاقتصاديين في هذا الأمر لا يعدو أن يكون تصويراً لبعض الجوانب الفنية التي تعين الفقهاء على التكييف الصحيح للمسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>