ثم يقول الدكتور رفيق: مما يقوي مذهب الجواز ثلاثة عوامل أخرى:
١ – وجود مذهب فقهي معتبر يجيز العربون، وهو مذهب الإمام أحمد.
ونقول له: ويوجد بجانبه ثلاثة مذاهب لا تجيزه. يضيف إلى هذا: وقد كان معروفا بشدة الورع. وكأن غيره ليس معروفا بهذا.
٢ – احتمال أن المانعين قد منعوه لعدم تقييد الخيار بمدة معلومة، فهذا فيه غرر غير مقبول وربما لو قيد بمدة لأجازه الجميع أو الأكثرون. والله أعلم.
ثم يضيف أيضا دليلا ثالثا وهو عموم البلوى، فبيع العربون منتشر في القوانين والأعراف التجارية، صحيح أن بيع العربون منتشر، وسنتعرض لهذا فيما بعد وقد أخذت به – تقريبا – كل قوانين البلاد العربية والبلاد الإسلامية بالصورة غير المشروعة، واعتمدوا في هذا على القوانين الغربية كما سأبين فيما بعد.
بعد هذا انتهينا إلى مسألة الترجيح: هنا مسائل أخرى جانبية تعرضت إليها في بحثي وتعرض إليها أيضا الدكتور رفيق المصري، ولم يتعرض لها الأخوان الفاضلان الدكتور عبد الله والدكتور وهبة وهي أن هناك صورا تشتمل على بيع العربون ولكنها ليست منه، ذكرها الفقهاء ويذكرونها دائما وخصوصا فقهاء المالكية عند حديثهم عن بيع العربون، لا حاجة للتعرض لهذه لئلا نطيل الحديث، لكن لا بد من التعرض لصورة منها هي التي اعتمد عليها الإمام أحمد وشبه بيع العربون بها، وهي: قد يشترى شخص سلعة ثم يتفق مع البائع على أن يردها ومعها شيء من المال، يشتري شخص سلعة انتهى البيع وتم الشراء وتسلم السلعة، ثم يتفق مع البائع على أن يردها ومعها شيء من المال. هذه هي الصورة التي قاس عليها الإمام أحمد صورة بيع العربون الممنوع عند الجمهور.
قال سعيد وابن سيرين – أيضا – (لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا) . ولا خلاف بين الفقهاء في جواز هذه الصورة، إذا كان البيع الأول نقدا، هذه الصورة جائزة عند جميع الفقهاء. المالكية هم الذين استثنوا بعض الحالات وهي ما إذا كان البيع الأول إلى أجل، لا داعي للخوض فيها ولكن غيرهم جوزها في جميع الحالات. وهذه الصورة إقالة للبيع الأول وهي شراء مستأنف بين المشتري والبائع، المشتري أصبح هو البائع والبائع أصبح المشتري، ولا مانع من أن يشتري شخص سلعة بمائة نقدا، نأتي إلى الصورة المتفق عليها – ثم يبيعها لمن اشتراها منه يبيعها فباعها بتسعين نقدا، المانع قد يأتي إذا اشتراها بأجل لكن إذا اشتراها نقدا بمائة وأراد أن يبيعها فباعها بتسعين نقدا أيضا، لا شيء في هذا. وقياس بيع العربون على هذا لا أرى له وجها.