للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمة نوع ثالث من الأديان أكثر غرابة، إذ إنه بتقديمه للبشر تشريعين وطنيين يخضعهم لواجبات متناقضة ويمنعهم من أن يكونوا في آن واحد مؤمنين ومواطنين. ذلك هو دين اللامين، ودين اليانيين والمسيحية الرومانية، ويمكن تسمية هذا الدين بدين الكاهن، وينشأ عنه نوع من القانون المختلط والانطوائي لا اسم له إطلاقًا.

وإذا ما نظرنا سياسيًّا إلى هذه الأنواع الثلاثة من الأديان وجدنا أنها تنطوي على أخطاء.

فالثالث واضح كل الوضوح أنه سيء، ومن العبث إضاعة الوقت في البرهان على ذلك، إذ إن كل ما يفرق الوحدة الاجتماعية لا قيمة له، وجميع المؤسسات التي تضع الإنسان في تناقض مع نفسه لا قيمة لها" (١) .

وروسو هنا ينظر للدين نظرة المشرع الوضعي المؤمن بالديمقراطية والنظام المدني وهو يحاسب الدين على ضوء خدمته لهذا النظام. فيقسم الدين إلى دين روحاني عالمي لا ربط له بالحياة، وآخر إقليمي ذي هياكل وهو يسند القانون الوضعي، وثالث عالمي متدخل في شؤون الإنسان ويرى أن الثالث واضح البطلان.

والواقع أن الدين العالمي المتدخل لو كان يعترف بقانونين وسلطانين ووطنين أحدهما للدين والآخر للدولة، فما أسخفه وما أبعده عن الواقع.

ولكن الإسلام هو الدين العالمي المنظم لشؤون الإنسان على ضوء علم وحكمة إلهيين واسعين لا يسمح بقيام نظام وسلطة أخرى إلى جنب سلطته وحكومته وإلا ألقى الإنسان في تناقض مع نفسه كما فعلت المسيحية المحرفة بتدخلها القليل في شؤون الإنسان واعترافها بالنظم المدنية.

إن الإسلام يعتبر نفسه هو الحاكم وهو المسيطر وهو المطاع وهو الموجه لشؤون الحياة، كما ستأتي بعض النصوص في ذلك. وهو الذي يربط بين شؤون الدنيا والآخرة ربطًا تامًّا حتى أنه دعا لأن تكون الحياة بمفهومها الواسع عبادة وقربة إلى الله، فلا معنى للقول بعد ذلك، بأن هذا من أمور الدنيا وذاك من أمور الآخرة وهذا من أمور الدين وذلك من أمور الدولة والدنيا وأمثال ذلك.


(١) في العقد الاجتماعي: ص ٢٠٦، ٢٠٧

<<  <  ج: ص:  >  >>