وإذا تصفحنا خصائص الإسلام عرفنا أن أهم الخصائص وأبعدها غورًا في وجوده هي الواقعية، فالإسلام دين واقعي ينسجم مع الفطرة الإنسانية والواقع التكويني الذي يعيشه الإنسان، ولا يتناقض مع نفسه ومع هدفه السامي مطلقًا.
وهذه الواقعية هي التي تفرض أن يهتم الإسلام بمسألة الحكم تمام الاهتمام وذلك:
أولًا: لأن الإسلام جاء دينًا شاملًا لكل نواحي الحياة الإنسانية، مخططًا لكل سلوك، ومعينًا لكل نظام , وليس هناك في حياة الإنسان سلوك ولا فرضية لا يدخل تحت نظام خاص وحكم خاص.
وهذا ما نستكشفه من عمل الإسلام على إعطاء رأيه في كل مجال، ومن روايات متعددة تؤكد هذا المبدأ من مثل:
١ ـ الرواية الصحيحة التي رواها الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن حماد عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال سمعته يقول:
"ما من شيء إلا وفيه كتاب وسنة "(١) .
٢ ـ وما رواه الكافي أيضًا عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: ((خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا قد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه)) .
والرواية صحيحة أيضًا.
وغيرهما من الروايات التي تؤكد رأي الإسلام حتى في "أرش الخدش".
ولعل وجود مفهومي " الحلال والحرام " اللذين لا يخرج عنهما أي فعل أكبر موضح لأن الإسلام أعطى رأيه بالعموم أو بالخصوص في كل سلوك إنساني وعين مذاهبه السياسية والاقتصادية والتربوية وغيرها وقام نظمه فيها على أساس من مذاهبه العامة.
ولا يمكن مع هذا أن نفترض الإسلام غافلًا عن مسألة الحكم أو تاركًا إياها للظروف والتطورات والتقلبات التي تفرض نفسها على المجتمع الإسلامي وتحكمه وتفرض سيطرتها عليه دون أن تستمد منه ولايتها ومبادئها العامة على الأقل.