وعندما نراجع الوجدان نجد أنه يتطلب في كل حكومة وجود عاملين رئيسين هما:
الأول: استمداد حق الحكم من مصدر مؤهل لذلك وبتعبير آخر استمداد حق التصرف وتقييد الحريات ممن له ذلك.
الثاني: قيام الحكم على أساس المصلحة الاجتماعية والفردية، فإذا استطاع الحكم أن يوفر هذين العاملين معًا، فقد وفر صيغة منطقية وجدانية له، وإلا عاد ظلمًا وجبروتًا.
وتوضيح الأمر: أنه يمكن تصور عمل الحكومة في المجالات التالية:
١ ـ قيامها بتحديد الحريات الشخصية بتوجيه السير ومنع التجول في أماكن خاصة، وأمثال ذلك، ويشمل هذا قيام الدولة بفرض بعض الوظائف الاجتماعية على أفراد لا يرون لها ضرورة.
٢ ـ قيامها بتحديد الحريات الاقتصادية بمنع بعض الأفراد من إشباع غريزة حب الذات والسيطرة على بعض الأموال من طرق معينة، وفرض الضرائب وغير ذلك.
٣ ـ قيامها بحل النزاعات والضرب على يد المعتدي ومنع الظالم من ظلمه وأمثال هذه المجالات.
ومن الواضح أن الوجدان إذا كان يكتفي في المجال الثالث بكون تدخل الحكومة هو لمصلحة المجتمع والفرد بمنع الظلم والضرب على يد الظالم ظلمًا وجدانيًّا لا ظلمًا تراه الدولة كذلك لمصلحتها الخاصة، إذا كان يكتفي هنا بالمصلحة فهو لا يكتفي بها في المجالين الآخرين، وإنما يتطلب مع ذلك وجود تولية أو توكيل ممن له الحق في هذا التحديد. رغم أن الإنسان يمتلك في الأصل حريته الطبيعية الأخلاقية في أن يفعل ما يحلو له، وكان ذلك انعكاس لكونه مخلوقًا إراديًّا له الحق أن يفعل وأن لا يفعل في كثير من الأمور والمجالات.