للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا بد للمجتمع من نظام يعين المسير ويحل التناقض في النزعات ووجهات النظر، كما لا بد لهذا النظام من معين ومنفذ له على ضوء مصلحة معينة، ومن هنا تنشأ فكرة "نظام الحكم".

وواضح أن أهداف هذا النظام تختلف باختلاف تصور الإنسان لوجوده ومركزه من الكون من جهة وبمقدار بساطته وتعقيده من جهة أخرى.

فالمجتمع الذي ينظر للإنسان كفرد حيواني يريد أن ينعم بالراحة والسعادة، تختلف متطلباته عن المجتمع الذي ينظر للإنسان كموجود استخلفه الله العظيم ليعمر الأرض ويتكامل بالتدريج، فيصنع مجتمع الأرض العادل العابد الذي لا يشرك بالله.

وبتعبير آخر فإن اختلاف إيديولوجية المجتمع تؤثر بشكل أساسي على الأهداف التي يتوخاها من التجمع.

من هنا رأينا الحكومات في بعض المجتمعات تؤكد على الجانب العسكري مثلًا؛ لأن الاتجاه العام هو بناء المجتمع القوي صافحة عن تحقيق السعادة بالمعنى الذي نفهمه. كما رأينا الحكومات الأخرى تركز على جانب الثقافة؛ لأن وجهة النظر الاجتماعية كانت تعينها هدفًا لها.

هذا وتختلف وظيفة الحكومة على ضوء تعقد المجتمع وبساطته فبينما لم نكن في السابق إلا هيئة أو فردًا يدير القبيلة أو المجموعة ويحل نزاعاتها نجد أنها تطورت إلى فرد تعينه هيئة كبرى تخطط للدفاع عن المجتمع، وتنظم وضع الأمن في داخله، وتشرف على وضع القوانين التي تسد بها بعض الفراغات الاجتماعية رأيناها في هذا العصر وهي تقوم بمهمة سن القوانين المختلفة وإدارة شؤون المجتمع الدفاعية والخارجية والداخلية والمالية والثقافية والفنية والصحية وشؤون المواصلات والزراعة والصناعة وأمثال ذلك.

ذلك أن تعقد الحياة الاجتماعية يغير كثيرًا من الشؤون الشخصية إلى شؤون عامة مما يلقي بعهدتها على الدولة، كما أن تعقد المجتمع يخلق ترابطًا قويًّا بين شؤونه مما لا يدع مناصًا من السيطرة على مختلف الجوانب لتحقيق السيطرة العامة والإدارة الاجتماعية.

فاختلاف الإيديولوجيات وتعقد المجتمع هما العاملان الرئيسان في تطوير وظائف الحكومة.

<<  <  ج: ص:  >  >>