للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا ـ التنسيق والانسجام بين كل الخطوات والجوانب: وذلك انعكاسًا للتنسيق القرآني فإذا الصورة المتشعبة تسودها روح واحدة، وهذه الخصيصة نتيجة طبيعية للخصائص السابقة وخصوصًا الهدفية بعد افتراض وحدة الهدف وشموله لكل جوانب التصور وأي اختلال لها يعني الانقلاب على الهدف: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (١) .

في حين تتضاعف السرعة إلى الهدف عند التناسق: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (٢) .

وإذا لاحظنا ضرورة هذه الخصيصة للتأثير المطلوب أدركنا سر ضياع الكثير من الأفكار الصحيحة المطروحة في إعلامنا اليوم بعد أن كانت تكذبها الأعمال والأطر المنافقة والمساومة، والأقوال الأخرى من صاحب الفكرة نفسه.

خامسًا ـ الواقعية والتفاعل المستمر مع الأحداث الاجتماعية: وعدم الغرق في تصورات طوبائية، فإن من خصائص القرآن الكريم أنه رغم كونه دستورًا عامًّا لكل المسيرة البشرية، فهو ينسجم مع ما يبدو من ظواهر، ويعالجها على ضوء تلك التصورات العامة الأصيلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} (٣) .

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (٤) .

وينبغي هنا أن نذكر بأننا نقصد بالواقعية هنا: ملاحظة الواقع والعمل على تطويره إلى المفروض، لا ما يبدو أحيانًا من تفسيرات تتجه بالواقعية إلى عملية الإذعان للواقع، والتلون وفق متطلباته إذعانًا واستسلامًا له.

والواقعية تتطلب أن تطرح الأساليب البديلة الصحيحة عند العمل لإصلاح ظاهرة منحرفة، وذلك نظير ما نلحظه في الآية الكريمة على لسان لوط (ع) : {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (٥) .

وما نجده في تعبير الإمام علي عليه السلام ـ حين يعمل على محو التعصب القبلي الممقوت، يطرح التعصب لمكارم الخلال حين يقول:

"وأما الأغنياء من مترفة الأمم، فتعصبوا لآثار مواقع النعم فقالوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب، ويعاسيب القبائل ... " [نهج البلاغة: ص ٢٩٥] .


(١) سورة الصف: الآية ٣
(٢) سورة فاطر: الآية ١٠
(٣) سورة المجادلة: الآية ١
(٤) سورة الأنفال: الآية ٧
(٥) سورة هود: الآية ٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>