للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الإجماع:فقد أجمع سائر أهل العلم على جواز توثيق الدين بالرهن (١) .

وأما المعقول: فلأن الرهن وثيقة في جانب الاستيفاء، فيجوز كأن تجوز الوثيقة في جانب الوجوب. وبيان ذلك أن الدين له طرفان: طرف الوجوب، وطرف الاستيفاء، لأنه يجب أولًا في الذمة، ثم يستوفى المال بعد ذلك والوثيقة بطرف الوجوب الذي يختص بالذمة- وهي الكفالة – جائزة، فكانت الوثيقة التي بطرف الاستيفاء الذي يختص بالمال جائزة أيضًا، اعتبارًا بالطرف الأول، لأن الاستيفاء مقصودٌ، والوجوب وسيلة لهذا المقصود، فلما شرعت الوثيقة في حق الوسيلة، فلأن تشرع في حق المقصود أولى.. ولأن الحاجة إلى الوثيقة ماسة من الجانبين، فالدائن يأمن بالرهن على ماله من التوى بالجحود أو الإفلاس، والمستدين قد لا يجد من يدينه بلا رهن، فكان فيه نفع لهما – كما في الكفالة والحوالة – فشرع (٢) .

(ب) حكمه:

٢٢ – ذهب جماهير الفقهاء إلى أن توثيق الدين بالرهن غير واجب وأن الأمر به في الآية على سبيل الإرشاد (٣) .

قال ابن قدامة: (والرهن غير واجب، لا نعلم فيه مخالفًا، لأنه وثيقة بالدين، فلم يجب، كالضمان والكتابة. وقول الله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} إرشاد لنا لا إيجاب علينا، بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ولأنه أمر به عند إعواز الكتابة، والكتابة غير واجبة، فكذا بدلها) (٤) .


(١) المغني: ٤/٣٦٢؛ وفتح العزيز: ١٠/٢، ورد المحتار: ٥/٣٠٧؛ وشرح منتهى الإرادات: ٢/٢٢٨.
(٢) تبيين الحقائق، للزيلعي وحاشية الشلبي عليه: ٦/٦٢ وما بعدها.
(٣) أحكام القرآن، للجصاص: ١/٤٨٢؛ وأحكام القرآن، لإلكيا الهراسي: ١/٣٦٥؛ والبرهان، للزركشي: ٣/٣٩؛ والأم: ٣/١٣٨؛ المحلى: ٨/٨٠؛ وكشاف القناع: ٣/٣٠٧.
(٤) المغني: ٤/٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>