للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ – وهذا الرأى هو الأرجح والأولى بالاعتبار ... والدليل على ذلك: (أولًا) ما روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده ومالك في الموطأ وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه قال: ((ما حق امرء مسلم يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه)) (١)

فقد اعتمد عليه الصلاة والسلام الكتابة من غير زيادة عليها، فدل على الاكتفاء بها وحجية الخط المجرد، إذ لو لم يكن كذلك، لما كان لكتابة وصيته فائدة (٢) .

(ثانيًا) إجماع أهل الحديث على صحة اعتماد الراوي على الخط المحفوظ عندهم وجواز التحديث به، ولو لم يعتمد على ذلك لضاعت أكثر الأحاديث النبوية وغالب الأحكام الفقهية؛ لأن وسيلة حفظها وتناقلها بين أهل العلم النسخ المكتوبة (٣)

(ثالثًا) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث كتبه إلى الملوك وغيرهم، وتقوم بها حجته، ولم يكن يشافه رسوله بمضمون كتابه، بل كان يدفعه معه مختومًا ويأمره بدفعه إلى المكتوب إليه، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، ثم إن الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال درجوا على اعتماد كتب بعضهم إلى بعض دون أن يشهدوا حاملها على ما فيها أو يقرؤوه عليه، وعلى ذلك عمل الناس من زمن نبيهم إلى يومنا هذا (٤) .

(رابعًا) إن الكتابة تدل على المقصود وتنبئ عنه، والخط كاللفظ في تبيين المراد والتعبير عن الإرادة، وقديمًا قالت العرب: " الخط أحد اللسانين، وحسنه إحدى الفصاحتين"، بل إن الكتابة قد تمتاز على اللفظ بالثبات والضبط، ولله در القائل: " الخط رسول الضمير، ودليل الإدارة، والمعبر عما في النفوس، والمخبر عن الخواطر، وله فضيلة بارعة ليست للَّفظ، فهو ينوب عنه في الإفصاح في المشهد، ويفضله في المغيب، إذ الخط يقرأ في الأماكن المتباينة والبلدان المتفرقة، ويُدرس في كل عصر وزمان " (٥) .

فمن أجل ذلك اعتبرت الكتابة وثيقة وحجة على صاحبها بما يحتويه مضمونها (٦) .


(١) انظر صحيح البخاري: ٣/١٨٦؛ وصحيح مسلم: ٣/١٢٤٩؛ وبذلك المجهود: ١٣/١١٤؛ وعارضة الأحوذي: ٨/٢٧٣؛ وسنن النسائي: ٦/١٩٩؛ وسنن ابن ماجه ٢ م ٩٠١؛ وسنن الدارقطني: ٤/١٥٠؛ والموطأ: ٢/٧٦١؛ ومسند الإمام أحمد: ٢/١٠، ٣٤، ٥٠، ٥٧. .
(٢) كشاف القناع: ٤/٣٧٣؛ والطرق الحكمية: ص٢٠٦؛ وطرح التثريب: ٦/١٩١.
(٣) الطرق الحكمية: ص٢٠٥. .
(٤) الطرق الحكمية: ص٢٠٥، ٢٠٧.
(٥) الرسالة العذراء، لإبراهيم بن المدير: ص٤١، ٤٢ (بتصرف) .
(٦) أصول المحاكمات الشرعية والمدنية، للدكتور محمد الزحيلي: ص١٩٤؛ والطرق الحكمية: ص٢٠٦، ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>