للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدّغُنَّةِ (١): فَإِنْ مِثْلكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ (٢) فَارْجِعَ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدُّغْنَّةِ فَطَافَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتَخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدُّغْنَّةِ (٣) وَقَالُوا لَهُ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا نَخْشى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذلِكَ ابْنُ الدَّغِنَّةِ لِأَبِي بَكْرٍ فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ (٤) فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَعْجَبُونَ مِنْهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَّةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَقَدْ جَاوَزَ ذلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ


(١) الدغنة بضمتين وتشديد الدال والنون وبفتح فكسر. إنك تكسب المعدوم إلى آخره بيان هذه الكلمات تقدم في حديث بدء النبوة والرسالة.
(٢) أي ضامن وناصر.
(٣) أي رجعت عن أذى أبي بكر لانضمام ابن الدغنة إليه ونصره له.
(٤) ثم بدا لأبي بكر أي ظهر له أن يبني في ساحة داره مسجدا فبناه وصار يعبد ربه ويقرأ القرآن فيه ويبكي، فكانت نساء الكفار وأبناؤهم تنقذف أي تجتمع عليه فتسمع منه وتعجب له.

<<  <  ج: ص:  >  >>