للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانضاف إِلَى حر الشمس كثرة الأنفاس وازدحام الأجسام والعطش تضاعف ولا نوم ولا راحة وفاض عرقهم على الأَرْض حَتَّى استنقع ثُمَّ ارتفع على الأبدان عَلَى قَدْرِ مراتبهم ومنازلهم عَنْدَ ربهم بالسعادة والشقاوة.

ثُمَّ تصور مجئ جهنم تقاد ولها سبعون ألف زمام مَعَ كُلّ زمام سبعون ألف ملك يجرونها، وقَالَ تَعَالَى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} .

فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل الا جثا لركبته يَقُولُ: يَا رب نفسي نفسي. فتصور ذَلِكَ الموقف المهيل المفزع الَّذِي قَدْ ملا الْقُلُوب رعبًا وخوفًا وقلقًا وذعرًا يَا لَهُ من موقف ومنظر مزعج.

وأَنْتَ لا محالة أحدهم فتوهم نفسك لكربك وقَدْ علاك العرق والفزع والرعب الشديد والنَّاس معك منتظرون لفصل الِقَضَاءِ إِلَى دار السعادة أَوْ إِلَى دار الشقاء، قَالَ تَعَالَى: {وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} .

فتصور أصوات الخلائق وهم ينادون بأجمعهم منفرد كُلّ واحد بنفسه ينادي نفسي نفسي، قَالَ الله تَعَالَى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} ، وقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} الآية.

فتصور نفسك وحالتك عِنْدَمَا يتبرأ منك الولد والوالد والأخ والصَاحِب لما فِي ذَلِكَ الْيَوْم من المزعجات والقلاقل والأهوال التي ملأت الْقُلُوب من الخوف والفزع والرعب والذعر.

ولولا عظم هول ذَلِكَ الْيَوْم ما كَانَ من الكرم والمروة والحفاظ أن تفر من أمك وأبيك وأخيك وبنيك ولكن عظم الخطر وشدة الكرب والهول اضطرك إِلَى ذَلِكَ فلا تلام على فرارك مِنْهُمْ ولا لوم عَلَيْهمْ إِذَا فروا منك، قَالَ الله تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>