للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ وُجُودُهَا عَارِيَّةً عَنْ مَدْلُولِهَا، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ بِهَا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا جُعِلَتْ عَلَامَةً (لَهَا) وَسِمَةً، كَدَلَالَاتِ الْأَسْمَاءِ عَلَى مَا عُلِّقَ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا، لَمْ يَمْتَنِعْ دَلِيلُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَيَتَسَاوَيَا جَمِيعًا فِي نَفْيِهِ، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا فِي إمْضَاءِ الْحُكْمِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، مُنَفِّرًا عَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. وَالْكَلَامُ فِي حُكْمِ الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَسَاوَيَا عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لَمَّا صَارَا مُوجِبَيْنِ لِلتَّخْيِيرِ مِنْ مُقْتَضَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ، خَارِجٌ عَنْ مَسْأَلَتِنَا. وَمَتَى قُلْنَا لِلْمُسَائِلِ: إنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ حَجْمِ مُوجِبِ الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَسَاوَيَا عِنْدَهُ، سَقَطَ سُؤَالُهُ، وَصَارَ الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهَا. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ وَجْهَ إيجَابِ التَّخْيِيرِ عِنْدَ تَسَاوِي جِهَةِ الْحَظْرِ وَجِهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْنَا ذَلِكَ لِلسَّائِلِ بِحَقِّ النَّظَرِ. فَنَقُولُ: قَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ رُجْحَانِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ: أَنَّ الْمُوجِبَ كَانَ لِلتَّرْجِيحِ هُوَ الِاجْتِهَادُ، فَمَتَى زَالَ تَرْجِيحُ الِاجْتِهَادِ لَهُ، وَصَارَ الِاجْتِهَادُ مُوجِبًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، اسْتَحَالَ إثْبَاتُ التَّرْجِيحِ مَعَ نَفْيِ الِاجْتِهَادِ لَهُ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِيرُ إلَى الْحُكْمِ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ نَفْيَ مُوجِبٍ لِلِاجْتِهَادِ، إذَا كَانَ الِاجْتِهَادُ قَدْ أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ، فَانْتَفَى بِذَلِكَ إثْبَاتُ التَّرْجِيحِ، إذَا كَانَ مِنْ حَيْثُ يَثْبُتُ يَبْطُلُ.

وَلَوْ جَازَ نَفْيُ التَّسْوِيَةِ مَعَ إيجَابِ الِاجْتِهَادِ لَهَا لَجَازَ نَفْيُ الرُّجْحَانِ مَعَ إيجَابِ الِاجْتِهَادِ لَهُ، وَفِي إجَازَةِ ذَلِكَ إبْطَالُ الِاجْتِهَادِ رَأْسًا، فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا، عَلِمْنَا أَنَّ تَسَاوِي جِهَتَيْ الْحَظْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>