للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

ولم ير مالك - رحمه الله تعالى - وأصحابه سقوط قضاء الصوم عمن أفطر ناسيا، وكأنهم راعوا في ذلك الاحتياط وأن الأصل عمارة الذمة، فلا ينتقل عنه إلا بأمر واضح في خلافه، والذي في الحديث إسناد الإطعام والسقي إلى الله سبحانه وتعالى، بمعنى أن الناسي في معنى من لم يحصل منه أكل أصلا ولا شرب، وذلك محتمل لأن يكون في معناه من كل وجه، فلا إثم عليه، ولا كفارة، ولا قضاء، ويحتمل أن يكون في معناه في الجملة، فلا يلزم منه سقوط القضاء، وهو الجاري على الاعتبار بأصحاب الأعذار، (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فيكون المراد نفي الكفارة والإثم خصوصا، وتبيين أنه لا داعي للتحسر بحصول ذلك، كمثل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للقوم يوم غلبهم النوم عن الصبح حتى طلعت الشمس، وأيقظه تكبير عمر لما رأى ما بالناس: " لا ضير " أو " لا يضير " وذكرهم بأن الله سبحانه وتعالى الذي كلفهم بالصلاة هو الذي قبض أرواحهم حتى طلعت الشمس (١).

فإن قيل إن الكفارة لا تكون في ما لا إثم فيه، وقد علم أن الناسي غير مؤاخذ على نسيانه.

أو قيل إن النسيان معفو عنه فكيف يفسد به الصوم.

أجيب عن الأول بأنا لا نسلم أن الكفارة لا تكون إلا في ما فيه إثم، بل قد تشرع في الخطإ لما عسى أن يكون من تقصير في الجملة، ولدفع ما يقع في النفس من التحسر على حصول صورة الذنب، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) الآية.

وقد أوجب قوم من أهل العلم الكفارة على المجامع نسيانا، مستدلين بعدم استفصاله صلى الله تعالى عليه وسلم للأعرابي، وبظاهر الحديث المذكور من التقييد بالأكل والشرب.


(١) أصل الحديث متفق عليه، وهذه الألفاظ عند البخاري من أكثر من طريق.

<<  <   >  >>