للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ومنهم من حمل على الوصية بذلك، وبه قال المزني، وإبراهيم الحربي، وأخرون من الشافعية وغيرهم (١)، حتى قال أبو الليث السمرقندي: أنّه قول عامة أهل العلم (٢)، وكذا نقله النووي عن الجمهور، وهو مشهور في الجاهلية وموجود في أشعارهم، كقول طرفة بن العبد:

إذا مت فأنعيني. . . . . . البيت (٣).

وأعترض بأنّ التعذيب بسبب الوصيّة يستحق بمجرد صدور الوصية، والحديث دال على أنّه إنّما يقع عند وقوع الامتثال.

وأجيب بأنّه ليس في السياق حصر، فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلًا (٤).

ومنهم من حمل على ترك الوصية بتركه، والنهي عنه، وهو قول: داود وطائفة، ولا يخفى محله إذا علم ما جاء في النهي عن النوح، وعرف أنّ أهله من شأنهم أن يفعلوا ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده (٥).

ومنهم قال: إن المراد بقوله: "يعذب ببكاء أهله"، بنظير ما يبكيه أهله به من الأفعال المنهية التي يعددون عليه ويمدحونه بها، زعمًا منهم أنها محاسن، وهي في الشرع قبائح، كقولهم: يا مرمل النسوان، وموتم الولدان، ومخرب العمران، ومفرق الأخدان، ويرون ذلك شجاعة وفخرًا، وهو يعذب بفعله ذلك، وهو عين ما يمدحونه به، وهذا اختيار ابن حزم وطائفة، واستدل له بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، الآتي في "باب البكاء عند المريض:، وفيه: " ولكن يعذب بهذا أو أشار إلى لسانه (٦)


(١) مختصر المزني (٨/ ١٣٤).
(٢) فتح الباري (٣/ ١٥٤).
(٣) شرح صحيح مسلم (٦/ ٢٢٨).
(٤) فتح الباري (٣/ ١٥٤).
(٥) المحلى (٣/ ٣٧٢)، وفتح الباري (٣/ ١٥٤).
(٦) صحيح البخاري، كتاب الجنائز (٢/ ٨٤) (١٣٠٤).