للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد روى ابن مردويه في تفسيره من رواية يزيد الرقاشي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مؤمن إلا له بابان في السماء، باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل فيه كلامه وعمله، فإذا مات فقداه وبكيا عليه، وتلا هذه الآية: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: ٢٩] (١)

فعلى ظاهر الآية والحديث يكون ذلك البكاء على الميّت ولا عذاب عليه بسببه إجماعًا.

وقال الزمخشري: ذلك على سبيل التمثيل والتخييل، وكذلك ما يروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، من بكاء مصلى المؤمن، وآثاره في الأرض، ومصاعد عمله، ومهابط رزقه في السماء: تمثيل، ونفي ذلك عنهم في قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده، فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض، فإنّه إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكه: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلّمت له الشمس.

وعن الحسن: فما بكي عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعني: فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض، وما كانوا منظرين لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر، ولم يمهلوا إلى الآخرة، بل عجل لهم في الدنيا (٢).

ثم إن قول ابن عمر - رضي الله عنهما - "أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه" مطلق سواء كان بنوح أو لا، لكن في بعض طرق حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، في "مصنف" ابن أبي شيبة: "من نيح عليه فإنّه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة" (٣)، فيحمل المطلق على المقيد فيكون البكاء الذي يكون سببًا لتعذيب الميت، هو البكاء الذي يكون بنوح ونحوه، كما أشار إليه البخاري في الترجمة.

قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ - رحمه الله -:

١٢٨٧ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَدْ كَانَ عُمَرُ - رضى الله عنه - يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ - رضى الله عنه - مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا


(١) سنن الترمذي، أبواب تفسير القران، باب: ومن سورة الدخان (٥/ ٣٨٠)، (٣٢٥٥). وقال «هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وموسى بن عبيدة، ويزيد بن أبان الرقاشي يضعفان في الحديث»
(٢) تفسير الزمخشري (٤/ ٢٧٨).
(٣) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، في النياحة على الميت وما جاء فيه (٣/ ٦٠)، (١٢٠٩٩) من طريق وكيع، عن سعيد بن عبيد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن ابن عمر. ورواه أحمد في مسنده (٩/ ٢٠١) (٥٢٦٢) من طريق: وكيع، بهذا الإسناد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.