وهذا يدلُّكَ على أنَّ هناك فئة حاقدة كانت تلفِّق الأحاديث على رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - منذ ذلك العهد؛ لِتُوقِع الفرقة والعداوة بين المسلمين، ولذلك قامت عائشة - رضي الله عنها - كغيرها من أكابر الصَّحابة بجهود جمَّة في توثيق السُّنَّة.
ومعلوم أنَّ عليّاً - رضي الله عنه - نفسه كان يردُّ هذه الفرية، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: قِيلَ لَعَلِيٍّ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ:"مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْتَخْلِفُ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ يُرِدِ الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ بِالنَّاسِ خَيْراً، فَسَيَجْمَعُهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نبيِّهِم - صلى الله عليه وسلم - على خَيْرِهِمْ"(١).
قلت: وطالما أنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ القرآن، فالسُّنَّة محفوظة بالتَّبعيَّة، ومِن حفظ الله للسُّنَّة أن قيَّد الله تعالى لها رجالاً من أمثال أبي هريرة، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم كثير - رضي الله عنهم -، ونساءً مِنْ أمْثَال أمَّهات المؤمنين: عائشة، وأمّ سلمة، وسودة، وحفصة، وزينب، وجويرية، وأمّ حبيبة، وميمونة، وصفيَّة رضي الله عنهنّ، وبنت النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فاطمة الزَّهراء - رضي الله عنها -، وصحابيّات من أمثال: خنساء بنت خذام، ولبابة بنت الحارث، وأم هانئ بنت أبي طالب أخت عليّ، وأسماء بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وأمّ قيس بنت محصن أخت عكاشة الّذي طلب من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الله أن يجعله من الَّذين يدخلون الجنَّة بغير حساب، وغيرهنَّ كثير رضي الله عنهنَّ.
(١) ((الهيثمي "مجمع الزّوائد" (ج ٩/ص ٤٧/رقم ١٤٣٣٤) وقال: رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ. وأخرجه الحاكم وصحّحه في "المستدرك" (ج ٣/ص ٧٩) كتاب معرفة الصّحابة - رضي الله عنهم -، ووافقه الذّهبي.