للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى جانب ما فعلته في الهرة كُفْرها، ولعلَّ ما يُؤَيِّدُ كَوْنَهَا كَافِرَةً مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ في مسنده (١)، والبيهقي في البعث والنّشور (٢)، وهو موافق لما رواه أحمد. وهذه المرأة هي الّتي رآها النَّبيُّ في النَّار، وهي من بني إسرائيل كما في صحيح مسلم أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ" (٣).

ومِنَ العلماء مَنْ يرى أنّه ليس في حديث النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما يقتضي كفرها، وأنَّها إنَّما عُذّبت بسبب إصرارها على حبس الهرّة وسجنها حتَّى ماتت، وأنّ الإصرار على الصّغائر وعدم المبالاة بها والمجاهرة بها يصيّرها كبائر، وأنّ عائشة - رضي الله عنها - خولفت. فالمسألة لا تخلو من خلاف، والحاصل إذا كان هذا حال مَنْ عذَّب هرّة، فما حال مَنْ عذَّب العباد؟!

ومن المقاييس عرضها السُّنَّة على وقائع التَّاريخ، فقد روى الشَّيخان عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: "ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا، فَقَالَتْ: مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ، وَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي أَوْ قَالَتْ حَجْرِي، فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَلَقَدْ انْخَنَثَ (مَالَ) فِي حَجْرِي، فَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ! " (٤).


(١) أبو داود "مسند أبي داود" (ج ٣/ص ٢٨/رقم ١٥٠٣).
(٢) البيهقي "البعث والنّشور" (ج ١/ص ٧٩/رقم ٤٨).
(٣) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٣/ج ٦/ص ٢٠٩) كتاب الكسوف.
(٤) البخاري "صحيح البخاري" (م ٢/ج ٣/ص ١٨٦) كتاب الوصايا، ومسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٦/ج ١١/ص ٨٨) كتاب الوصيّة.

<<  <   >  >>