يَنْطَلِقُ أَحَدُهُمَا فِي أَغْلَالِهِ وَسَلَاسِلِهِ حَتَّى يَقْتَحِمَهَا، وَيَتَلَكَّأُ الْآخَرُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَوَّلِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي خَبَرْتُ مِنْ وَبَالِ مَعْصِيَتِكَ مَا لَمْ أَكُنْ أَتَعَرَّضُ لِسَخَطِكَ ثَانِيًا. وَيَقُولُ لِلْآخَرِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَلَكَّأْتَ؟ فَيَقُولُ: حُسْنُ ظَنِّي بِكَ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا. فَيَرْحَمُهُمَا اللَّهُ، ﷿، وَيُدْخِلُهُمَا الْجَنَّةَ.
فَصْلُ (خُلُودِ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ)
إِذَا خَرَجَ أَهْلُ الْمَعَاصِي مِنَ النَّارِ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُ الْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا، وَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، بَلْ هُمْ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا، وَهُمُ الَّذِينَ حَبَسَهُمُ الْقُرْآنُ، وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الْجِنِّ: ٢٣]. وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [الْأَحْزَابِ: ٦٤، ٦٥]. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ «النِّسَاءِ» فِي آخِرِهَا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النِّسَاءِ: ١٦٨، ١٦٩].
فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ، فِيهِنَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ أَبَدًا، لَيْسَ لَهُنَّ رَابِعَةٌ مِثْلُهُنَّ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الْأَنْعَامِ: ١٢٨]. وَقَوْلُهُ: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هُودٍ: ١٠٧]. فَقَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute