ومعنى الآية: ولا تظنّنّ يا محمّد الشهداء المقتولين في طاعة الله. {(أَمْواتاً)} نصب على المفعول؛ لأن الحسبان يتعدّى إلى مفعولين، {(بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)} الجنّة، سمّاهم أحياء؛ لأنّهم يأكلون ويتمتّعون ويرزقون كالأحياء. وقيل: سمّاهم أحياء؛ لأنّهم يكتب لهم في كلّ سنة ثواب غزوة، ويشركون في فضل كلّ جهاد إلى يوم القيامة. وقيل: لأنّ أرواحهم تركع وتسجد كلّ ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة كأرواح الأحياء. وقيل: لأنّ الشهيد لا يبلى في الأرض ولا يتغيّر في القبر. ويقال:
أربعة لا تبلى أجسادهم: الأنبياء؛ والعلماء؛ والشّهداء؛ وحملة القرآن.
وعن عبد الله بن عبد الرّحمن:(أنّه بلغه أنّ عمرو بن الجموح، وعبد الله بن عمرو بن الحرام الأنصاريّين كانا قد أخرب السّيل قبريهما وكانا في قبر واحد؛ وهما ممّن استشهد يوم أحد، وكان قبرهما ممّا يلي السّيل، فوجدا في قبرهما لم يتغيّرا كأنّما ماتا بالأمس، وكان بين أحد وبين خراب السّيل ستّ وأربعون سنة).
وقيل: سموا أحياء؛ لأنّهم لم يغسّلوا كما تغسّل الأحياء. قال صلى الله عليه وسلم:[زمّلوهم بدمائهم وكلومهم؛ فإنّهم يحشرون يوم القيامة بدمائهم؛ اللّون لون الدّم؛ والرّيح ريح المسك](١).قرأ الحسن وابن عامر «(قتّلوا)» بالتشديد.
قوله تعالى:{فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ؛} أي من رزقه وثوابه، وانتصب على الحال. وقرأ ابن السميقع: «(فرحين)» وهما لغتان كالفرة والفارة، والطمع والطّامع، والحذر والحاذر. قوله تعالى:{وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(١٧٠)؛أي يطلبون السّرور بقدوم من لم يقدم عليهم من إخوانهم، يقولون: ليت إخواننا قتلوا كما قتلنا؛ فينالوا من الكرامة والثواب ما نلنا. وقال السديّ:(يؤتى الشّهيد بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله؛ فيقال: يقدم عليك فلان يوم كذا؛ ويقدم عليك فلان يوم كذا؛ فيستبشر بذلك كما بشّر إنسان بقدوم غائب؛ يتعجّل السّرور به قبل قدومه).
(١) رواه الإمام أحمد في المسند: ج ٥ ص ٤٣١.والنسائي في السنن: كتاب الجنائز: باب مواراة الشهيد في دمه: ج ٤ ص ٧٨.