للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد اعترض على هذا القول فقالوا: كيف يجوز على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الأنبياء أن يغفل عن الصّلاة المفروضة ثم يعمد إلى خيل لا ذنب لها يعقرها؟! ويجاب عنه: أن لم يكن ضرب سوقها وأعناقها إلاّ وقد أباح الله ذلك وأجزى به، وليس في الآية ما يقتضي أنّ الصلاة كانت مفروضة عليه في ذلك الوقت. وقد يذكر المسح ويراد الضرب، يقول العرب: مسح علاوته (١) اذا ضربها بالسّيف.

والصّافنات هي الخيل التي تقوم ثلاثا وتكون القائمة الرابعة تصل إلى طرف حافرها بالأرض. صفن الفرس إذا يصفنّ صفونا إذا قام على ثلاث، وقلب أحد حوافره. والجياد جمع جواد، يقال فرس جواد اذا «كان سابقا» (٢) بالرّكض.

قوله تعالى: {فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي؛} يعني إنّي آثرت الخير، ينال بهذا الخيل فشغلت به عن الذّكر، وقد يذكر الخير ويراد به الخيل، لأن الخيل معقود بنواصيها الخير. قال الفرّاء: (يعنى آثرت حبّ الخير) (٣).وقال قطرب: (أراد حبّا على المصدر، ثمّ أضاف الحبّ إلى الخير).

وقوله تعالى: {(عَنْ ذِكْرِ رَبِّي)} يعني صلاة العصر. وقوله تعالى: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} (٣٢)؛كناية عن الشّمس، والمعنى حتى استوت الشمس بما يحجبها عن الأبصار؛ ولأنّ قوله تعالى {(بِالْعَشِيِّ)} كناية عن الشّمس؛ أي فيه ما يجري مجرى الشمس، وجاز الإضمار إذ في الكلام ما يدلّ عليه، قال لبيد:

حتّى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها

وقوله تعالى: {رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ} (٣٣)؛قال أبو عبيد: (معنى الطّفق يقول مثل ما زال يفعل (٤)،وهو مثل: ظلّ وبات، والمعنى


(١) العلاوة: بالكسر، ما علّيت عليه من البعير بعد تمام الوقر، أو علّقته عليه كالسّقاء والسّفود.
والجمع (العلاوى) مثل إداوة وإداوى. قاله الرازي في مختار الصحاح.
(٢) ما بين «» سقطت من المخطوط، وفي معالم التنزيل: ص ١١١٣؛ قال البغوي: (والجياد: الخيار السّراع، وقال ابن عباس: يريد الخيل السّوابق).
(٣) ينظر: معاني القرآن للفراء: ج ٢ ص ٤٠٥.
(٤) في المخطوط: (يفعل مثل ما ذاك يفعل).وهو كما اثبته البغوي في معالم التنزيل: ص ١١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>