للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحويّة؛ سميت بذلك لأنّها تحوي ما في البطن. وقوله: {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ؛} أراد به ما يكون من الشّحم المخلّط من اللّحم على عظم الجنب. وأما الإلية؛ فقد كانت داخلة في التحريم.

قوله تعالى: {ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ؛} أي ذلك التحريم عاقبناهم بظلمهم، {وَإِنّا لَصادِقُونَ} (١٤٦)؛فيما نقول إنّ هذه الأشياء كانت حلالا في الأصل؛ فحرّمناها على اليهود بمعصيتهم ومخالفتهم لأنبيائهم، وكانت اليهود مع هذا التحريم يجملون الشّحوم فيبيعونها؛ فيستحلّون تمنها؛ كما قال صلّى الله عليه وسلّم: [لعن الله اليهود؛ حرّمت عليهم الشّحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها؛ إنّ الله تعالى إذا حرّم شيئا حرّم بيعه وأكل ثمنه] (١).

فلمّا نزلت هذه الآية؛ قال صلّى الله عليه وسلّم: [هذا ما أوحى الله تعالى إليّ أنّه محرّم منه على المسلمين، ومنه على اليهود] (٢).فقال المشركون: إنّك لم تصب فيما قلت، فقال الله عزّ وجلّ: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ؛} أي إن أنكروا ولم يقبلوا قولك؛ فقل: {(رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ)} بالإمهال بأن لن يعاجلكم بالعقوبة؛ {وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (١٤٧)؛أي لا يردّ عذابه عن المشركين واليهود إذا جاء وقت العذاب.

قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا؛} أي آباؤنا من قبلنا الذين استننّا بهم، {وَلا حَرَّمْنا؛} على أنفسنا؛ {مِنْ شَيْءٍ؛} من الحرث والأنعام، ولكنه شاء لنا الشّرك والتحريم.

قال الله تعالى: {كَذلِكَ كَذَّبَ؛} أي قال؛ {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛} أي هكذا كذب الذين من قبلهم رسلهم كما كذب قومك، {حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا؛} أي عذابنا. ومن قرأ «(كذلك كذب الّذين)» بالتخفيف؛ فمعناه: كما كذب قومك على الله؛ كذلك كذب من قبلهم من الأمم الخالية على الله؛ حتى ذاقوا عذابنا.


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج ١٢ ص ١٥٥:الحديث (١٢٨٨٧) عن ابن عباس. وأبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في ثمن الخمر: الحديث (٣٤٨٨) وإسناده صحيح.
(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: ج ٤ ص ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>