تتمة: رأيت في ختام الكلام عن هذه الآية أن أنقل ما ذكره الإمام ابن كثير- رحمه الله تعالى- حولها ففيه ما يشفي ويكفي، وهو عبارة عن خلاصة ما ذكره المفسرون حول هذه الآية قال: «اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجبا على أصح القولين قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله يأخذها أهلوها حتما من غير وصية ولا تحمل منة الموصي، ولهذا جاء في الحديث الذي في السنن وغيرها عن عمرو بن خارجة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب وهو يقول: ان الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، ثم ساق الآثار عن ابن عباس وغيره، والتي تدل على أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث، قال: ومن العلماء من يقول انها منسوخة فيمن يرث ثابتة فيمن لا يرث وهو مذهب ابن عباس والحسن ومسروق وطاوس والضحاك ومسلم بن يسار والعلاء بن زياد، وبه قال سعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان، ولكن على قول هؤلاء لا يسمى هذا نسخا في اصطلاحنا المتأخر، لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصاية، لأن الأقربين أعم ممن يرث ومن لا يرث، فرفع حكم من يرث بما عين له، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى، وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبا حتى نسخت، فأما من يقول إنها كانت واجبة- وهو الظاهر من سياق الآية- فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء. فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع، بل منهى عنه للحديث المتقدم، فآية الميراث حكم مستقل، ووجوب من عند الله لأهل الفروض والعصبات، رفع بها حكم هذه بالكلية، بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم، يستحب له أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية وشمولها، ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما حق امرى مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده اه باختصار من تفسير ابن كثير ١١/ ٢١١ - ٢١٢. (١) البقرة: ١٨٣. (٢) حكاه النحاس عن أبي العالية والسدي، انظر الناسخ والمنسوخ ص ٢٥، وممن قال بنسخها ابن حزم، قال: نسخت بقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ .. الآية ١٨٧ من سورة البقرة. وقال بنسخها ابن سلامة ص ٥٥ - ٦٢، وعبد القاهر البغدادي، بل ادّعى الاتفاق على نسخها، حيث أورد هذه الآية في باب ذكر الآيات التي اتفقوا على نسخها وناسخها من القرآن. وقال: ان الذي نسخها قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الآية ١٨٥ من السورة نفسها. انظر الناسخ والمنسوخ ص ٧٢. ويفهم من كلام مكي أنه كذلك يميل إلى القول بنسخها، حيث أورد الأقوال في كونها منسوخة أو ناسخة- أي لصوم يوم عاشوراء أو ثلاثة أيام من كل شهر.