وإنما كان هذا أقبح من جميع ما تقدم لأن المعنى الذي حمل عليه في الأبيات المتقدمة قد يخرج إلى اللفظ، والمعنى الذي حمل عليه في هذا البيت لا يخرج إلى اللفظ.
وقول الآخر:
إن تركبوا فركوبُ الخيل عادَتُنا ... أو تنزلونَ فإنا مَعْشرُ نُزُل
ألا ترى أن (تنزلون) حكمه أن يحذف منه النون للجزم لأنه معطوف على الفعل المجزوم بأداة الشرط، وهو (تركبوا)، لكنه اضطر إلى رفعه بالنون فأستعمل الرفع بدل الجزم حملاً على (أتركبون) المضمن معنى (أن تركبوا)، لأن الفعل المستقيم عنه جائز فيه أن يضمن معنى الشرط. إلا أن ما حمل عليه رفع (تنزلون) لا (يخرج) إلى اللفظ.
ومنه: أن يعامل الاسم الذي ليس بمبتدأ، لا في اللفظ ولا في التقدير، معاملة المبتدأ أو الاسم الذي هو معمول الناسخ من نواسخ الابتداء فيخبر عنه كما يخبر عنهما. فالأول نحو قوله:
أقول له كالنُّصْحِ بيني وبينه ... هَل أنت بنا في الحَجّ مرتجلان
فمرتجلان مرفوع على أنه خبر عن المبتدأ الذي هو ضمير المخاطب وعن ضمير المتكلم المجرور بالباء، مع أن الضمير المجرور بالباء ليس مبتدأ في اللفظ ولا في التقدير، فكان حكمه أن لا يخبر عنه لكنه حكم له، بدلاً من حكمه، بحكم المبتدأ فأخبر عنه.