قالَ عروةُ: وقالتْ عمرةُ: فخرجَ سهمُ عائشةَ بنتِ أبي بكرٍ الصديقِ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بَني المُصطَلِقِ، فلمَّا انصرفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فكانَ قريباً مِن المدينةِ، قالَ عروةُ وعمرةُ: وكانتْ عائشةُ جُويريةً حديثةَ السِّنِّ قليلةَ اللحمِ خفيفةً، وكانت تلزمُ خِدْرَها، فإذا أرادَ الناسُ الرَّحيلَ ذهبتْ فتوضأَتْ ورجعتْ فجلستْ في مِحَفَّتِها، فيرحلُ بعيرُها ثم تُحملُ مِحَفَّتُها فتوضعُ على البعيرِ وهي في المحفةِ، فكانَ أول ما قالَ فيها المنافقونَ مِمن اشتركَ في أمرِ عائشةَ أنَّها خرجتْ توضَّأُ حينَ دَنوا مِن المدينةِ، فانسَلَّ مِن عنقِها عقدٌ لها مِن جَزْعِ ظَفارٍ، فارتحلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم والناسُ وهي في بِغاءِ العقدِ ولم تعلمْ برحيلِهم، فشدُّوا على بعيرِها المحفَّةَ وهم يَرونَ أنَّها فيها كما كانت تكونُ، فرجعتْ عائشةُ إلى منزلِها فلم تجدْ في العسكرِ أحداً وغَلبتْها عَيناها.
قالَ عروةُ وعمرةُ: قالتْ عائشةُ: وكانَ صفوانُ بنُ المعطَّل السَلميُّ صاحبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تخلَّفَ تلكَ الليلةَ عن العسكرِ حتى أَصبحَ، قالتْ: فمرَّ بي فرآني، فاسترجَعَ وأعظَمَ مَكاني حينَ رآني وَحدي، وكنتُ أعرفُه ويعرفُني قبلَ أَن يُضربَ علينا الحجابُ، قالتْ: فسأَلَني عن أَمري، فسترتُ عنه وَجهي بجِلبابي وأخبرتُه بأَمري، فقرَّبَ لي بعيرَه ووطِىءَ على ذراعِهِ وولاني قَفاهُ حتى ركبتُ وسوَّيتُ ثِيابي، ثم بعثَه، فأقبلَ يسيرُ بي حتى دخلْنا المدينةَ نصفَ النهارِ أو نحوَه، فهُنالكَ قالَ فيَّ وفيه مَن قالَ مِن أهلِ الإفكِ وأَنا لا أعلمُ شيئاً مِن ذلكَ ولا مِما يخوضُ فيه الناسُ، وكنتُ تلكَ الليلةَ شاكيةً، وكانَ مِن أولِ ما أنكرتُ مِن أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أَمري أنَّه كانَ يعودُني إذا مَرضتُ، فكانت تلكَ الليالي لا يدخلُ عليَّ ولا يعودُني، إلا أنَّه يقولُ وهو مارٌّ:«كيفَ تِيكم؟» فيسألُ عنِّي بعضَ أهلِ البيتِ، فلمَّا بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما أكثَرَ الناسُ فيه مِن أَمري غمَّه ذلكَ، قالتْ: وقد كنتُ شكوتُ ذلكَ