للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثالث: الضرورة الدينية الحاصلة لكل فرد من أفراد المسلمين أن التعبد بهذه الشريعة ثابت بعد عصر النبوة كما كان قبلها؛ فهذه الوجوه الثلاثة يستفاد منها أن تخصيصه في الآيتين الكريمتين بالدعوة إليه، والتحكيم له، ونسبة الحكم إليه إنما كان لكونه صاحب الشرع، وإلا فالدعوة إلى غيره ليحكم بشريعته حكمها حكم الدعوة إليه، وإذا لم يصلح الإجماع القطعي، والضرورة الدينية للتسوية بينه وبين غيره، فما ذاك الذي يصلح [٨ب] بعدهما ويسد مسدهما؟!

الوجه الرابع: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قد نصب القضاة في حياته (١)، وبعث الولاة، وأمَّر الأمراء، وأوجب على الناس طاعتهم وامتثال أمرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فلو كانت إجابة الدعوة والتحكيم مختصين برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لم يثبت ذلك للحكام المبعوثين من جهته، وهو خلاف المعلوم؛ فإنه بعثهم إلى جهات بعيدة كاليمن، ومكة، ونحوهما. ولو كانت الإجابة إليهم غير واجبة لكان بعثهم عبثًا لا فائدة فيه للباعث ولا للمبعوث، ولا للمبعوث إليه، واللازم باطل بالملزوم مثله.

الوجه الخامس: أن إفراده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في الآيتين بنسبة التحكم إليه والحكم منه هو كإفراده في قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} (٢)، {جاهد الكفار} (٣)، {لم تحرم ما أحل الله لك} (٤)، {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (٥)، {ادفع بالتي هي


(١) انظر " المغني " (١٤/ ٨ - ٩)، " الحاوي الكبير " (٢٠ - ٥٨ - ٦٠)، " أدب القاضي " (ص١١ - ١٥)، " تبصرة الحكام " (١/ ١٢ - ١٨).
(٢) [التوبة: ١٠٣].
(٣) [التوبة: ٧٣]، [التحريم: ٩].
(٤) [التحريم: ١].
(٥) [الإسراء: ٧٨].