للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه يَنْفُقُ على عقولهن من الأكاذيب ما لا ينْفقُ على غيرهن.

نعم إذا وقع الإخبارُ مِن عدْلة بأ، ها أرضعَتْ فلانًا وفلانةً أو نحوُ ذلك وجب العمل بهذا الخبر لحديث عُقْبَة بن الحارث عند البخاري (١) أنه تزوَّج أمّ يحيى بنت أبي إهاب فجاءت امرأةٌ فقالت: قد أرضعتُكما، فسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف وقد قيل! ففارقَها عُقبةُ ونكحَتْ زوجًا غيرَه وفي هذا خلافٌ (٢) بين الصحابة فمَن بَعدَهم، ولكن الحقَّ أن هذا احلديث الصحيح يخصِّصُ عمومَ الأدلة القاضية باعتبار الشاهِدَين كما خصَّصها عند أكثر المخالفين قَبولُ شهادة المرأة (٣) في عورات النساء.

وحملُ هذا الحديث على الاستحباب والتحرُّزِ عن مظانّ الاشتباه يرُدّه ـ مع كونه في بعض الروايات، وهو يُجيبُه فيجميع ذلك بقوله: كيف وقد قيل: وفي بعضها دعْهَا. وفي رواية للدارقطني (٤): لا خيرَ لك فيها ولو كان من باب الاحتياط لأمره بالطلاق.

وربما يعتذر من قُصر باعُه عن إدراك الحقائق عن عُهدة هذا الحديث بالقاعدة المعروفة في الفقه وهي عدم قبول الشهادة المقررة لقول الشاهد أو فِعْلِهِ، وهي عند من له إلمامٌ بالبحث والكشفِ مَبْنيةٌ على غير أساس، ترُدُّها أدلةُ هذا الحديث.


(١) تقدم آنفًا.
(٢) قال ابن قدامة في "المغني" (١٤/ ١٣٤ - ١٣٥): لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في قبول شهادة النِّساء المنفردات في الجملة. قال القاضي: والذي تُقبل فيه شهادتُهنَّ منفردات خمسة أشياء؛ الولادة، والاستهلال، والرّضاع. والعيوب تحت الثِّياب كالرَّتق والقرن والبكارة الثيابة والبرص وانقضاء العدّة. وعن أبي حنيفة: لا تقبل شهادتهن منفردات على الرّضاع لأنّه يجوز أن يطلّع عليه محارم المرأة من الرِّجال. فلم يثبت بالنّساء مفردات كالنِّكاح.
(٣) انظر "المغني" (١٤/ ١٣٤ - ١٣٧).
(٤) في "السنن" (٤/ ١٧٧ رقم ١٩).