للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويسترق نساءهم وأطفالهم من دون أن يسأل كل فرد فرد أو ينقل له ذلك عن كل شخص شخص، وليس ذلك إلا لأن الاعتبار بما ظهر من دون معارضة ولا مفارقة، وإذا اعتبر الشارع مثل هذا في ترتيب إباحة الدماء والأموال عليه وليس هو إلا مجرد اتحاد كلمتهم في الظاهر لجري القوانين بمثل ذلك فجواز ما هو أخف من ذلك بالأولى، وهذا وإن كان يرى في الظاهر أجنبيا عن محل السؤال فهو نافع عند من يعقل المناطات الشرعية، وقد ثبت أن العباس يوم بدر لما قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنه خرج مع القوم مكرها فقال له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إن ظاهرك كان علينا (١) ثم لم يعذره من تسليم الفداء فانظر يف ألحقه بالقوم الذين خرج معهم ورتب على ذلك أخذ الفداء منه.

ومثل ذلك ما ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنه هم بصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة (٢) وفيهم من يملك الكثير وفيهم من لا يملك القطمير ما ذاك إلا لأنهم


(١) تقدم تخريجه.
(٢) قال ابن هشام في " السيرة " (٣/ ٣١٠ - ٣١١) " فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف بن أبي خارثة المري، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار الدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، فلما أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه فقالا له: يا رسول الله، أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به، لا بد لنا من لعمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنك من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأنت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا ". " السيرة النبوية " (٣/ ٣١٠ - ٣١١). " الطبقات " لابن سعد (٢/ ٧٣).