للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا انحرفت عن خلق الأناة والرفق انحرفت: إما إلى عجلة وطيش وعنف وإما إلى تفريط وإضاعة والرفق والأناة بينهما وإذا انحرفت عن خلق العزة التي وهبها الله للمؤمنين انحرفت: إما إلى كبر وإما إلى ذل والعزة المحمودة بينهما وإذا انحرفت عن خلق الشجاعة انحرفت: إما إلى تهور وإقدام غير محمود وإما إلى جبن وتأخر مذموم وإذا انحرفت عن خلق المنافسة في المراتب العالية والغبطة انحرفت: إما إلى حسد وإما إلى مهانة وعجز وذل ورضا بالدون وإذا انحرفت عن القناعة انحرفت: إما إلى حرص وكلب وإما إلى خسة ومهانة وإضاعة وإذا انحرفت عن خلق الرحمة انحرفت: إما إلى قسوة وإما إلى ضعف قلب وجبن نفس كمن لا يقدم على ذبح شاة ولا إقامة حد وتأديب ولد ويزعم أن الرحمة تحمله على ذلك وقد ذبح أرحم الخلق بيده في موضع واحد ثلاثا وستين بدنة وقطع الأيدي من الرجال والنساء وضرب الأعناق وأقام الحدود ورجم بالحجارة حتى مات المرجوم وكان أرحم خلق الله على الإطلاق وأرأفهم وكذلك طلاقة الوجه والبشر المحمود فإنه وسط بين التعبيس والتقطيب وتصعير الخد وطي البشر عن البشر وبين الاسترسال مع كل أحد بحيث يذهب الهيبة ويزيل الوقار ويطمع في الجانب كما أن الانحراف الأول يوقع الوحشة والبغضة والنفرة في قلوب الخلق وصاحب الخلق الوسط: مهيب محبوب عزيز جانبه حبيب لقاؤه وفي صفة نبينا: من رآه بديهة هابه ومن خالطه عشرة أحبه والله أعلم.

(أسباب اكتساب حسن الخلق:

للأخلاق الفاضلة منزلة رفيعة في دين الله ولها ارتباط قوي بقوة الإيمان وحسنه، وتدين المرء وتمسكه بالشريعة، ولها أعظم الأثر في قوة الأمة ووحدة صفوفها ولأن الأخلاق يمكن اكتسابها كان من المهم الحديث عن وسائل اكتساب الأخلاق الفاضلة وهذا ما سيتناوله درسنا.

لا ريب أن أثقل ما على الطبيعة البشرية تغيير الأخلاق التي طبعت عليها النفس، إلا أن ذلك ليس متعذرًا ولا مستحيلاً، بل إن هناك أسبابًا، ووسائل يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق، ومن ذلك ما يلي:

(١) سلامة العقيدة: فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر ومعتقد، وما يدين به من دين، والانحراف في السلوك ناتج عن خلل في المعتقد، فالعقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا؛ فإذا صحت العقيدة؛ حسنت الأخلاق تبعًا لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، كما أنها تردعه عن مساوئ الأخلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>