للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(حتى بلغ ستين سنة) لأنها قريبة من المعترك وهو سن الإنابة والرجوع وترقب المنية ومظنة انقضاء الأجل فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار ولزوم الطاعات والإقبال على الآخرة بكليته، ثم هذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله وإنما يتوجه له على العبد، وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له شيئاً في الاعتذار يتمسك به، وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى المحكوم عليه، وقيل لحكيم: أي شيء أشد؟ قال دنو أجل وسوء عمل. قال القشيري: كان ببغداد فقيه يقرئ اثنين وعشرين علماً فخرج يوماً قاصداً مدرسته فسمع قائلاً يقول: إذا العشرون من شعبان ولت * فواصل شرب ليلك بالنهار ولا تشرب بأقداح صغار * فقد ضاق الزمان على الصغار فخرج هائماً على وجهه حتى أتى مكة فمات بها. أهـ

• أخي الحبيب:

كم صلاة أضعتها؟ .. كم جمعة تهاونت بها؟ .. كم صيام تركته؟ .. كم زكاة بخلت بها؟ .. كم حج فوته؟ .. كم معروف تكاسلت عنه؟ .. كم منكر سكت عليه؟ .. كم نظرة محرمة أصبتها؟ .. كم كلمة فاحشة تكلمت بها؟ .. كم أغضبت والديك ولم ترضهما؟ .. كم قسوت على ضعيف ولم ترحمه؟ .. كم من الناس ظلمته؟ .. كم من الناس أخذت ماله؟ ..

• أما كان لك عبرةٌ فيمن ماتوا ودُفِنوا تحت التراب، كيف فُجِعَ بِهِم الأَحْبَاب، وأكثروا عليهم البكاء والانتحاب، وسَكَنُوا التُراب، وظَعَنُوا فليسَ لهم إِياب،

• أما آن لك أن تنتبه من غفلتك فإليك يوجه الخطاب، وتُفِيق من نومك قبل أن تناخ للرحيل الركاب قبل هجوم اللذات ومفرق الجماعات ومذل الرقاب، ومشتِِّت الأحباب، أما تذكر ما أمامك من شدة الحساب وشر المآب، فيا له من زائر لا يعوقه عائق، ولا يضرب دونه حجاب، ويا لَهُ من نازل لا يستأذن على الملوك ولا يلج من الأبواب، ولا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا، ولا يخاف عظيمًا ولا يهاب، ألا وإن بعده ما هُوَ أعظم منه من السؤال والجواب، وراءه هول البعث والحشر وأحواله الصعاب من طول المقام والازدحام فِي الأجسام والميزان والصراط والحساب والْجَنَّة أَوْ النار.

• فيا خجلة من سئل فعدم الجواب أو بجوابٍ يستحق عَلَيْهِ أليم الْعَذَاب ويا حَسْرَة من نوقش عن الدقيق والجليل في الآخِرَة الحساب، ويا ندامة من لم يحصل إِلا على الْغَضَب من الكريم الوهاب

<<  <  ج: ص:  >  >>