للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهك»، فكتب: «إني محتاج»، فقال علي: «علَيَّ بِحُلّة»، فأتِيَ بها، فأخذها الرجل فلبسها، ثم أنشأ يقول:

كسوْتَني حُلة تبلى محاسنُها ... فسوف أكسوك مَن حُسن الثّنَا حُلَلا

إنْ نِلتَ حُسْنَ ثنائي نِلْتَ مَكْرمةً ... ولست تبغِى بما قد قُلْتُه بدَلَا

إن الثناء ليُحْيِى ذِكْرَ صاحِبِه ... كالغيث يُحْيِي نَدَاهُ السهلَ والجبلَا

لا تزهد الدهر في زُهْدٍ تُواقِعُه ... فكلُّ عبدٍ سيُجْزَى بالذي عملَا

فقال علي: «علَيَّ بالدنانير»، فأتِيَ بمائة دينار فدفعها إليه، فقال الأصبغ: فقلت: «يا أمير المؤمنين، حُلّة ومائة دينار؟»، قال: «نعم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «أنزلوا الناس منازلهم». قال: وهذه منزلة هذا الرجل عندي».

٨٥٣ - انصر مَنْ بالحق اعترف.

٨٥٤ - انطلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأبو بكر إلى الغار، فدخلا فيه، فجاءت العنكبوت، فنسجت على باب الغار، وجاءت قريش يطلبون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكانوا إذا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت، قالوا: «لم يدخله أحد»، وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قائمًا يصلي وأبو بكر يرتقب، فقال أبو بكر سدد خطاكم للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فداك أبي وأمي هؤلاء قومك يطلبونك، أما والله ما على نفسي أبكي، ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره، فقال له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة: ٤٠) (١).


(١) إنما يصح من الحديث آخره لوروده في القرآن الكريم: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} (التوبة: ٤٠). ... =

وقول أبي بكر: «أما والله. . .» في الصحيحين نحوه من حديث البراء».وأية: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} فيها ما يؤكد ضعف الحديث، لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا تُرَى، والحديث يثبت أن نصره - صلى الله عليه وآله وسلم - كان بالعنكبوت، وهو مما يُرى، فتأمل.
والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في تفسيره (٤/ ١٧٤) للآية: «وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته». [انظر: السلسلة الضعيفة (رقم ١١٢٩)].
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، - في قصة الهجرة - قَالَ:. . . فَقَالَ أبُو بَكْرٍ:. . . فَارْتَحَلْنَا، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. فَقَالَ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا». وَبَكَيْتُ، قَالَ: «لِمَ تَبْكِي؟»، قَالَ: قُلْتُ: «أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ». قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ». فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ، وَوَثَبَ عَنْهَا، وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنْجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ». قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا». قَالَ: وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَأُطْلِقَ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ». (رواه الإمام أحمد في المسند، وقال الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم»).

<<  <  ج: ص:  >  >>