للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مرفوعًا، وهو يُروى بالرَّفع على المحفوظ، وبه ينتهض استدلال الشَّافعي على أنَّه يحل بذكاة أُمه إذا لم يُقْدر على ذبحه.

وعند الحنفية تجب ذكاة الجنين مطلقًا، ويروون الحديث بنصب "ذكاة أُمه" على تقدير "كذكاة أُمه"، فنُصِبَ على إسقاط الخافض. وعلى هذا يحملون رواية الرفع على حذف مضاف، أي: "مِثل ذكاة أُمه"، ويوجهون النصب بتوجيه آخَر، وهو أنَّه منصوب على المفعول المطلق المبين للنوع، والعامل فيه "ذكاة" الأُولى، والخبر محذوف، أي: "واجبة" أو: "لازِمة" أو نحو ذلك.

لكن أصحابنا وهَّموا رواية النصب، وقالوا: المحفوظ الرَّفع كما قاله الخطابي وغيره؛ إمَّا لأنَّ "ذكاة" الأُولى خبر مقدَّم، و "ذكاة" الثَّاني هو المبتدأ، أي: ذكاة أُم الجنين ذكاة له، وإلا لم يكن للجنين مزية. وحقيقة "الجنين" ما كان في البطن، وذبحه في البطن لا يمكن. فعُلم أنَّه ليس المراد أنَّه يُذكَّى كذكاة أُمه، بل إنَّ ذكاة أُمه ذكاةٌ له كافية عن تذكيته، ويؤيده رواية البيهقي: "ذكاة الجنين في ذكاة أُمه" (١). وفي رواية: "بذكاة" (٢).

فالنصب إنْ ثبت فهو على حذف هذا الخافض، لا على حذف الكاف كما زعموا.

قال ابن عمرون: تقديرهم حذف الكاف ليس بشيء؛ لأنَّه يَلزم منه جواز قولك: "زيد عمرًا" أي: "كعمرو". وأيضًا فحذف حرف الخفض مِن غير سبق فِعل يدل على التوسع


(١) موطأ مالك (رقم: ١٠٤٦) من قول سعيد بن المسيب، وعنه نقله البيهقي (مختصر خلافيات البيهقي، ٥/ ٨٥).
(٢) قال الإمام البيهقي في (مختصر خلافيات البيهقي، ٥/ ٨٥): (روى مَالك عَن نَافِع أنّ عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - كَانَ يَقُول: "إِذا نحرت النَّاقة، فذكاة مَا فِي بَطنهَا بذكاتها إِذا كَانَ قد تمّ خلقه وَتمّ شعره، فَإِذا خرج من بَطنهَا -يَعْنِي حَيا- ذبح حَتَّى يخرج الدَّم مِن جَوْفه).

<<  <  ج: ص:  >  >>